الدراما في المنامة لم تعد عرضاً هامشياً

قبل شهر، عندما بدأت الاضطرابات السياسية جدّياً في البحرين، وصفتُ "الدراما في المنامة" بأنها "عرض هامشي" وأصررت على أن التحرّك الفعلي يتخمّر في ليبيا. وكنت محقّاً جزئياً: تشهد ليبيا الآن حرباً أهلية وتحرّكاً عسكرياً دولياً. لكن افتراضي الآخر يصبح مستبعداً أكثر فأكثر. توقّعت أن تتوصّل العائلة المالكة التي تنتمي إلى الأقلّية السنّية في البحرين وتحظى بدعم محلّي ودولي قوي، إلى اتفاق مع الغالبية الشيعية المحرومة من حقوقها في المملكة بهدف إنشاء ملَكيّة دستورية.
ما لم أتوقّعه هو الغياب المفاجئ لضبط النفس لدى كل الأطراف، ولا سيما الحكومة. صحيح أن ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة قال الكثير من الكلام المناسب. لكن يبدو أن رئيس الوزراء المتشدّد خليفة بن سلمان آل خليفة يشرف على سلسلة من الأخطاء الفادحة في التقدير والتي تسبّبت بتفاقم النزاع سريعاً مما قد يؤدّي إلى خروجه عن السيطرة.

والمعارضة أيضاً لم تتمايز في مواقفها، فهي تقاوم عروض الحوار ويبدو أيضاً أنها تبحث عن أي فرصة سانحة للتصعيد. تلوح نقطة اللاعودة في الأفق، مما يُنذر بالسوء لمنطقة الخليج. فالتحرّك الذي بدأ مؤيّداً للديموقراطية وغير مذهبي إلى حد ما، تحوّل مواجهة مذهبية بالوكالة بين السعودية وقوى إقليمية سنّية أخرى من جهة والمجموعات المعارضة الشيعية التي تصطف أكثر فأكثر إلى جانب إيران من جهة أخرى.

يقع اللوم الأكبر على القوات الحكومية في البحرين. فقد أظهرت من خلال استعمالها المفرط وغير المتكافئ للقوّة الفتّاكة حيث وصل بها الأمر حتى إلى استهداف الطواقم الطبية، أنها لا تُقدِّر أبداً العواقب المحتومة لأفعالها. ولا بد أيضاً من انتقاد المجموعة المعارضة الشيعية الأساسية، "الوفاق"، لأنها رفضت الدخول في حوار مع النظام. وقد طغت عليها "مجموعة الحق" بقيادة حسن مشيمع التي هي أكثر تطرّفاً بكثير ويمكن أن ينتهي بها الأمر بقيادة معركة شيعية مسلّحة. ومع تدخّل قوّات برّية تابعة للسعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان، وقوّات بحرية من الكويت، تحلّقت الحكومات التي يقودها السنّة في دول مجلس التعاون الخليجي حول عائلة آل خليفة، مما يُعمِّق أكثر فأكثر الطابع المذهبي للنزاع.

المفارقة هي أنه كان يمكن تفادي النزاع في البحرين. كان من شأن خطوات بسيطة مثل تطبيق إصلاحات دستورية، واستبدال رئيس الوزراء المتشدّد، ووضع حدّ لعدم المساواة ولا سيما في ما يختصّ بتملّك الأراضي، وإجراءات توفيقية أخرى، أن تحول بالتأكيد دون تدهور الأوضاع إلى هذا الحد. بيد أن رد الفعل المفرط من جانب الحكومة بلغ أحجاماً شبه هستيرية، ولا سيما من خلال التدمير الصاعق للنصب في دوّار اللؤلؤة، والذي هو المعلم الأساسي في المنامة ومركز التظاهرات، وإطلاق العنان لعصابات الشوارع المسلّحة، والتوقيف غير المبرَّر للإصلاحي الليبرالي ابرهيم شريف من حزب الوعد (ألقيتُ كلمة في مقرّ الحزب غير المذهبي في المنامة قبل ثلاث سنوات، ومن المنافي للمنطق القول بأنهم راديكاليون خطرون).

ولّدت هذه الإجراءات، إلى جانب تدخّل قوات من دول مجلس التعاون الخليجي يُنظَر إليها بأنها قوات مذهبية سنّية وتصفها المعارضة الشيعية بـ"الاحتلال الأجنبي"، بيئة من العداوة المذهبية تنطوي على خطورة استثنائية وتمارس تداعيات إقليمية قويّة. تجيز معاهدة مجلس التعاون الخليجي مثل هذا التدخّل، وعلى الأرجح أن تسهيل التدخّل هو السبب الحقيقي وراء إنشاء الممرّ بين البحرين والسعودية. بيد أن السنّة والشيعة في المنطقة يمارسون الاصطفاف بصورة دراماتيكية، مما يُنذر بتشنّجات أو حتى مواجهات مذهبية محتملة في العديد من البلدان الأخرى.

وثمة بعد دولي أوسع أيضاً. تطالب إيران منذ وقت طويل بضم جزيرة البحرين إليها، ولو كان يُقلَّل الآن من شأن هذا المطلب، ويتمركز الأسطول الخامس الأميركي هناك. وهكذا فإن المصالح الطويلة الأمد للولايات المتحدة، القوّة البارزة في الشرق الأوسط، وعدوّتها المزعومة إيران هي على المحك. إذا استمرّ الوضع في التدهور، فمن السهل أن نتخيّل إيران وسواها يسلِّحون الشيعة الأكثر راديكالية في أوساط البحرينيين، مما يُشعل فتيل حرب أهلية مذهبية ضارية.

ربما لم يفت الأوان لتسير البحرين نحو تطبيق إصلاحات دستورية واقتصادية يمكن أن تحول دون الانحدار إلى نزاع مذهبي مطوَّل، لكن يجب أن تبادر سريعاً إلى القيام بذلك. لسوء الحظ، ليست هناك مؤشّرات توحي بأنّ هذا وشيك. بعد زجّ الشخصيات المعارضة الراديكالية والعقلانية في السجون، وتدمير دوار اللؤلؤة في ما يُجسِّد الوحدة المبعثرة للمملكة، وفيما تفرض قوات مجلس التعاون الخليجي وعصابات الشوارع الغازية "النظام" بهمجية مثيرة للصدمة، وتفتقر الحكومة إلى استراتيجيا واضحة للابتعاد عن النزاع والسير في اتّجاه ملَكية دستورية، لم تعد الدراما في المنامة عرضاً هامشياً على الإطلاق. فهي قادرة تماماً على أن تتحوّل نقطة تفجّر إقليمية ومذهبية تُبدِّل المعطيات وتتسبّب بأضرار كبيرة.

ترجمة نسرين ناض (النهار)  

السابق
نفايات صيدا وضواحيها إلى كفرفالوس!
التالي
لو أعطيَ عون الوزارات كلها لن تحلّ المشكلة