اقتصاد الدول العربية يمر بمرحلة انتقالية

بعد سطوع شمس الربيع على الدول العربية، يأتي الظل القاتم، فمن المتوقع أن تواجه مصر والدول الأخرى في الشرق الأوسط التي تشهد تحولا نحو الديمقراطية مشكلات اقتصادية خطيرة خلال الأعوام القليلة المقبلة قد تؤدي إلى فوضى إذا لم يتخذ العرب والدول الغربية الصديقة موقفا حكيما.
من جهة البعد الخاص بالتحول الاقتصادي، يمكن التفكير في خطة مارشال التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، لكن بعد إضافة بعض العوامل المعقدة إليها، لا يمكن للولايات المتحدة والكثير من حكومات الدول الأوروبية التي قد تمول مثل هذا البرنامج تحمل تكلفته، كذلك ليست لهذه الدول الديمقراطية الجديدة حكومات تدير المعونات، ولن تتمكن على الأرجح من القيام بذلك لشهور، ومن المرجح أن يتردد العرب في قبول المساعدة، خاصة إذا كانت ذات صلة بالولايات المتحدة.
كذلك هناك بعض دواعي القلق خلال فترة ما بعد الثورة، فقد يكون كثير من المبادرات التي ستلقى تأييدا شعبيا مثل زيادة أجور كافة الفئات والدعم الحكومي جيدة من الناحية السياسية، لكنها ليست كذلك من الناحية الاقتصادية.
فالقطاع العام في دول مثل مصر وتونس ضخم للغاية، لذا سيمثل أي توسع به ضغطا، خاصة مع اتجاه الأزمة الاقتصادية نحو الأسوأ.
يقول مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني الأسبق نائب رئيس معهد كارنيغي للسلام الدولي: "التحدي الذي تواجهه مصر ودول عربية أخرى هو كيفية الاستمرار في الإصلاح دون أن تضطلع الدولة بالدور الأكبر في إدارة عجلة الاقتصاد"ز لقد كانت أسابيع الاحتجاجات في ميدان التحرير مدرسة لتعليم الديمقراطية، لكنها أدت إلى ركود اقتصادي، فالمصانع كانت متوقفة عن العمل، وكذلك المصارف والأسواق، وألغى السياح رحلاتهم، يقول المصرف الدولي: أنه ليس لديه أي توقعات يمكن الاعتماد عليها فيما يخص مصر لعدم قدرة المسؤولين على الانتهاء من تقديراتهم.
وبحسب تقديرات جورج عبيد، من معهد المال الدولي للتأثير الاقتصادي لهذه الاضطرابات، من المتوقع أن تبلغ نسبة النمو في مصر خلال العام الحالي 1• 5% وينخفض النمو بنسبة 1• 5% في تونس و31% في ليبيا. ومن المتوقع أن يصل عجز الموازنة في مصر إلى 9• 8% من إجمالي الناتج المحلي مقارنة ب7• 9% عام 2010. وسيمثل إجمالي العجز 4• 5% من إجمالي الناتج المحلي في تونس و35% في ليبيا رغم ما حققته كل من تونس وليبيا من فائض في الموازنة العام الماضي.
كيف يمكن تجنب انهيار ما بعد التحول الديمقراطي؟ من الضروري الخروج بخطة متعددة الأطراف تشبه خطة مارشال، بما يعني إطارا من القروض والمساعدات الأخرى التي يمكنها أن تدعم الدول العربية أثناء مرحلة التحول إلى النظام الديمقراطي والرخاء.
لا تمثل الولايات المتحدة خيارا من الخيارات المتاحة، فنحن ليس لدينا المال الكافي، ولن يرغب الساسة الأميركيون في منحه لأجانب بأي حال من الأحوال، لكن يسعدني أن أقدم إليكم جوابا لأحجية الشرق الأوسط، المعهد الذي أسس منذ عشرين عاماً ليشرف على عملية الانتقال إلى الديمقراطية في أوروبا الشرقية والذي يعرف باسم المصرف الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية على استعداد للاضطلاع بهذه المهمة الجديدة، لقد تحدثت يوم الثلاثاء ما قبل الماضي مع توماس ميرو، رئيس المصرف الذي قال لي أن المصرف على استعداد ليكون بمثابة مصرف "للتحول الاقتصادي والسياسي" في مصر ودول جوارها.
إن أوروبا تتمتع بالخبرة، حيث أشار ميرو إلى أن الأنظمة الديمقراطية الناشئة في الدول العربية تعاني من المشكلات نفسها التي عانت منها دول أوروبا الشرقية مثل ضعف القطاع الخاص، وهشاشة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وضعف البنية التحتية.
أن المصرف يمتلك المال اللازم، حيث يبلغ رأسماله 17 مليار دولار، فضلا عن قدرته على جمع الأموال من مقرضين. ويتوقع ميرو توفير مبلغ قدره 1• 4 مليار دولار لمصر خلال السنوات القليلة المقبلة، وضعف هذا المبلغ لدول جوارها. ويفكر ميرو بالفعل في فتح فرع في القاهرة بحيث يرى العرب المصرف كأنه مصرفهم. وأبدى بعض المسؤولين في البيت الأبيض إعجابهم بفكرة ميرو الخاصة بمساعدة الدول الديمقراطية الناشئة في الشرق الأوسط.
ويمكن من خلال هذا النهج تجنب حرج تلقي مساعدات من صندوق النقد الدولي، أو قبول مساعدة ضمن حزمة من البنك الدولي، فهي تصنف مصر ودول جوارها في الفئة نفسها التي تضم بولندا أو بلغاريا، وهي الدول التي انهارت أنظمتها الاقتصادية والسياسية بسبب الحكام المستبدين، وربما يستطيع المصرف الأوروبي أن يكون شريكا لمصرف التنمية الأميركي الذي يتمتع بخبرة كبيرة في عملية الانتقال من أنظمة الحكم العسكرية، يقول الشباب الذين تجمعوا في ميدان التحرير أنهم يرغبون في أن يصبحوا جزءا من دول البحر المتوسط المتحضرة ذات الاقتصاد المزدهر والنظام السياسي الحر، سوف تكون هذه العملية الانتقالية صعبة، نظرا لضعف مؤسسات الدولة، لكن هناك طرقا غير تقليدية لتحقيق الاستقرار على طول الطريق نحو التقدم دون أن تحمل عبارة "صنع في أميركا".
*التربية في القرن الواحد والعشرين إبان انقلاب المعارف والتقنيّات ميشال سير معهد فرنسا الاكاديمي التلميذ أو الطالب الذي يذهب اليوم إلى صفه في المدرسة الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية، أو إلى المدرج الجامعي، لم يرَ بأم العين ثوراً أو بقرة، خنزيراً أو انثى خنزير، وعلى خلاف هذه الحال، كان معظم البشر، في 1900، يعملون في الفلاحة والرعي، ويعمل ببلد مثل فرنسا، اليوم، واحد بالمئة من السكان في الحقل المزدوج والمتصل هذا،
والحق أن الفرق بين الحالين قرينة على انعطاف من أقوى الانعطافات، وأكثرها حدة، منذ الخروج من العصر الحجري إلى عصر التعدين وصناعة الآلات الاولى، والتلميذ أو الطالب لا يمضي معظم وقته مع البشر، ولا يقيم على أرض واحدة مع أمثالنا، ورابطته بدنيانا ليست على شاكلة رابطتنا بها.
وهو يعجب بطبيعة غنّاء ومتخيلة يقع عليها في أوقات العطل أو أثناء السياحة، وإقامة صاحبنا، تلميذاً أو طالباً (تلميذة أو طالبة)، تقتصر على المدينة، وأمثاله، وسابقوه مباشرة، نصفهم كانت الحقول المزروعة مسرح عملهم وإطار حياتهم، ويحمل الحذر واحترام الطبيعة التلميذ أو الطالب على تقليل تلويث الارض، على خلافنا نحن السادرين في غفلتنا والنرجسيين المنطوين على ذواتنا وأنفسنا، وعلى هذا، فالعالم الطبيعي الذي يختبره تلميذ اليوم أو طالبه يخالف عالمنا، نحن الجيل السابق، طباعاً مادية وعدداً. فالسكان يكادون يبلغون السبعة بلايين انسان، ويملأون الأرض على نحو غير مسبوق.
وأسعف الطب الجيد، وعقاقيره المتعاظمة الفاعلية والجدوى، المعاصرين في تخفيف آلامهم، على قياسٍ احصائي، هل اختبروا الجوع؟ كانت الاخلاق، دينية أم علمانية، تنصح بتمارين يؤدي أداؤها إلى تحمل الألم اليومي المقسوم والنتائج المترتبة عن الأمراض والجوع وقسوة الحياة الدنيا.
وأولاد اليوم أجسامهم غير أجسام آبائهم (وأمهاتهم)، وصنيعهم بجسمهم غير صنيع الآباء ولم يفلح أحد من جيل آبائهم في إلهامهم مثالات اخلاقية تبدو لهم مناسبة لأطوار الحياة الجديدة
وبينما ولد آباؤهم وأمهاتهم من غير سابق تصميم وقصد، ولدوا هم عن سابق تصميم وقصد، ويولد الولد الكبير وقد تقدم عمر الام 10 سنوات عن عمرها من جيل الآباء، أي متوسط سن آباء التلامذة وأمهاتهم تقدم أو زاد عن نظيره 10-15 سنة، وهو فرق يبلغ بعض جيل أو جزءاً من جيل، ونصف الاهل انفصل واحدهما عن الآخر، فلم يبق الانتساب أو تسلسل حلقاته، واحداً.
فأي آداب وأي تواريخ في مستطاعهم فهمها واستيعابها من غير تجريب الحياة الريفية، ومراقبة الحيوانات الاليفة والداجنة والاشتراك في حصاد الصيف، ومعاناة عشر منازعات، والتشييع إلى المقابر، ومعالجة الجرحى والجوعى، والاحساس بالوطن، والانحناء للعلم المخضب ولتنصيب الموتى، ومن غير الاضطرار إلى اختيار معيار أخلاقي في المهمات الداهمة؟
ويتولى اعداد التلامذة أو الطلاب إعلام كثير الوسائط يبثه راشدون حرصوا على تدمير مَلكَة انتباههم حرصهم على قصر حياة الصورة على 7 ثوان، واختصار وقت الجواب عن السؤال في 15 ثانية، وفق السلم الرسمي، ويكرر هؤلاء الراشدون أكثر ما يكررون لفظة "موت" وأكثر الصور على الشاشة هي صورة الجثث والقتلى، فإذا بلغ الولد عامه الثاني عشر أجبر على أن يرى 20 ألف صورة قتل، رقماً متوسطاً.
وتتولى الدعاية، من وجه آخر، شطراً من اعدادهم اللغوي، فهم يتعلمون التهجئة والاملاء على لوحات دعاية على جهتي الطريق.
فمجتمع المشهد أو الفرجة يتولاه مجتمع تربوي تخنق منافسته الساحقة، المتعجرفة والجاهلة، المدرسة والجامعة معاً.
فوسائط الإعلام ووسائله استولت، منذ وقت مديد، على وظيفة التعليم، واستحوذت على الوقت المقسوم لها، وعلى الانتباه والفتنة والمكانة التي كانت تعود إلى هذه الوظيفة، ومدرّسونا محتقرون ومزدرون، وهيئات التدريس لا تلقى أذناً صاغية.
وعلى هذا، يقيم أولادنا في عالم افتراضي، وتذهب علوم الادراك والمعرفة إلى أن القراءة والكتابة على الشبكة، بواسطة الابهام، وتصفح مواد "ويكيبيديا" و"فايسبوك"، لا تستثير الخلايا العصبية والمناطق الدماغية التي يستثيرها الكتاب المقروء والدفتر المسطور، وقد يتصرف المتصفحون بعدد من المعلومات المتزامنة، لكنهم يدمجون معلوماتهم ولا يجمعون جمعاً مركباً على شاكلتنا، نحن الآباء، وهم لا يعصاهم الاتصال بمن يشاؤون، وبلوغ الامكنة كلها، وطرق أبواب المعرفة من غير استثناء، ففضاؤهم أو حيزهم قوامه الجوار من غير إطار أو كنف متري يقيس المسافات، وهو كنفنا، نحن أهلهم، ونحن لم ننتبه إلى أن انسياً جديداً ولد في العقود الأربعة الأخيرة والمنصرمة منذ سبعينات القرن العشرين.
فما الذي ينبغي نقله من طريق التعليم؟ المعرفة أو مرتكز المعرفة كان جسد "العالِم"، منشداً كان أم ساحراً، وجسد المدرس المربي هو مكتبة حية، وانقلبت التربية من حال إلى حال مع اختراع المطبعة، في عهد النهضة• فلا عجب إذا قلبتها التكنولوجيات الجديدة رأساً على عقب، والتغيير العميق المتوقع والضروري لا يزال تصوره بعيداً من أذهاننا ومخيلاتنا.
وجائز أن يكون السبب في هذا هو أن من لا يزالون يترجحون بين الاحوال الأخيرة لم يتقاعدوا بعد، ويتولون الإشراف على الاصلاحات التربوية على مثالات امحت أو درست منذ وقت طويل.
وأنا درَّست طوال نصف قرن من السنين في أنحاء الأرض وإقليمها كلها تقريباً، وشهدت الفجوة الفاغرة حيث درَّست وحللت، وتحملت الاصلاحات وأوزارها وأثقالها، واختبرت صنيعها وتمزيقها اللحم الحي حيث تفرض عليه على نحو ما يفرض الجبس (الجفصين) على الساق أو الفخذ، ولست أشك في أن علينا ابتكار مناهج جديدة، خارج الاطر المعهودة والرتيبة، لا نحدس فيها اليوم، فلماذا لم تولد المبتكرات المنتظرة، بعد، وأنا ألقي بعض التبعة على الفلاسفة، وأنا فيهم، فهم استغرقتهم السياسات الطارئة والحادثة فغفلوا عن استشراف المعاصرة، وأود لو كنت في عامي الثامن عشر فأعاصر الآتي ومواعيده التي لا تحصى، شأن التلامذة والطلاب الذين وقفت عليهم حياتي وأجبتهم واحترمتهم على الدوام.
(اللواء)

السابق
حبيش: نصرالله حدد سياسة لبنان الخارجية ما أدى الى اهتزاز العلاقة اللبنانية ـ البحرينية
التالي
إسرائيل تنشر منظومة القبة الحديدية الاحد القادم