حوار بين حريري واثنين من معارضيه

لا يمكن عاقلاً أن يناقش أيّ إنسان في صحة المطلبين اللذين يخوض فريق الأكثرية السابقة معركتهما الآن: إسقاط السلاح في الداخل، وإحقاق العدالة في الجرائم المتسلسلة التي طاولت لبنان، منذ الأول من تشرين الأول عام 2004. فالمسألتان مرتبطتان بهدف واحد، ألا وهو السلام. والسلام ركيزة أساسية لتحقيق الخير والمصلحة العامة لأي تشكّل بشري، بدءاً من الفرد، إلى جماعة فمجتمع فدولة. وفي هذا السياق، لا جدوى ولا طائل، ولا حق ربما، لأحد، في الرد على هذين المطلبين، باتهامات التخوين، أو بكليشيهات «الصهينة» أو «الأسرلة»، أو سواها من إلصاقات العمالة، على طريقة الأنظمة الكليانية وقضائها القدري.
لكن السؤال يظل مشروعاً عن كيفية الوصول إلى هذين المطلبين: رفع السلاح وتطبيق العدالة، وبالتالي عمّن سيحقق هذا الهدف الإنساني والأخلاقي والوطني السامي، أي إنجاز الخير، في ظل مناخات السلام؟
وانطلاقاً من رفض خطاب التخوين الإيديولوجي المذكور، يفترض بفريق الأكثرية السابقة أو الفريق الحريري، كما شاعت تسميته السياسية الإعلامية، أن يتجنّب ثلاثة محظورات كبيرة في سياق نضاله: أولاً ألّا يتوسل العنف الداخلي، أكان عبر حرب أهلية أم فتنة مذهبية أم ما شابه… وثانياً، ألا تكون إسرائيل أداته لتحقيق هدفه بأي شكل من الأشكال. ثالثاً، ألّا يراهن على قيام نظام مذهبي في سوريا يدعم فريقه في قهر الفريق اللبناني الآخر. وهذا ما يبقي لأصحاب طرح السلاح والعدالة وسيلة واحدة للوصول إلى غايتهم، ألا وهي الحوار، بغاية الإقناع. بمعنى، أن على الخطاب السياسي والإعلامي القائل برفض السلاح والقبول بالمحكمة الدولية أن ينجح في إقناع الناس الرافضين لهذا الخطاب، مهما كانت غرائزية هؤلاء، ومهما كان اصطفافهم العددي. وإلا، لا مجال ولا مكان لنجاح هذا الخطاب. ففي هذا الوطن المصقول بتوازنات جوهرية، و«جوهرجية»، لا يستقيم إلا التوازن، ولا يقوم نصر ولا قهر ولا فوز ولا رجحان لأي طرف على طرف، إلا بنحو عابر وعرضي وزائل.
هكذا، يفترض التطبيق العملي لهذه القاعدة أن يتوصل الخطاب الإعلامي والسياسي للحريريين إلى إقناع نموذجين اثنين: إقناع لبناني شيعي مؤيّد للثنائية الشيعية، واختصاراً لمنطق حزب الله، كذلك عليه أن يقنع لبنانياً مسيحياً مؤيّداً لخطاب ميشال عون، وبالتالي لشخصه.
في النموذج الأول، قد يطرح هذا الشيعي على محاوره ومحاول إقناعه سؤالاً بسيطاً: لماذا لم تجد من شارعي من يتوجه إليّ غير ذلك النائب والوزير السابق، وهذا النائب الحالي؟ وقد يستنكر الفريق الحريري هذا السؤال، قبل أن يضيف الشيعي استطراداً على سؤاله: أنا أحترم كل الناس والبشر والمواقف والمواقع، لكن لمجرد تبيان حقيقة الأهداف والغايات، هل تعرف أين كان النائب والوزير السابق في 26 نيسان 2005، أي في اليوم الذي كنت أنت تحتفل بجلاء آخر جندي سوري عن أرض لبنان؟ كان في تلك اللحظات بالذات عند الحدود اللبنانية السورية في المصنع، يودّع رستم غزالة. وحين صار يُسأل بعد أعوام عن تلك الواقعة، كان يجيب ساخراً: ذهبت لأتأكد من أنهم راحلون… ثم هذا النائب الحالي، هل هو موظف في الشركات التي تملكونها، إما مباشرة وإما عبر دولة الزبائنية التي عندنا، أم لا؟
لا يعني سؤالي هذا ـــــ يضيف اللبناني الشيعي ـــــ أي انتقاص من احترامي للشخصين. فقط أحاول التبصّر في الخلفيات: هل هي الخير والمصلحة العامة، أم أمور أخرى؟
النموذج الثاني، اللبناني المسيحي المؤيّد لميشال عون، إشكاليته أكثر تراجيدية. سيقول لمحاوره الحريري: أنا معك. أصلاً، أنا لست مقتنعاً كثيراً بما يقدمه لي الخطاب الضحل لغالبية نواب الجنرال و«قيادييه»، رغم ثقتي المطلقة به كشخص، ورفضي ـــــ عن معرفة ـــــ لمنافسيه في الوسط المسيحي. أنا معك في نزع السلاح، لكن لمجرد الاستيضاح: كيف صودف أنه حين عاد عون إلى لبنان سنة 2005، مخاصماً لحزب الله، ومؤيّداً للقرار 1559، وقفتم ضده؟ بعدها اختبر الأمور والموازين على الأرض، فقال بضرورة قيام «تفاهم» ما مع حزب الله، بشأن السلاح، لجهة ضبطه واحتوائه و«لبننته» و«دولنته»… كنتم أيضاً ضده؟ ومن ثم بعد حرب تموز، وبعد معاينته لاعتزام إسرائيلي واضح إبادة جماعة لبنانية كاملة، ومبادرته في لحظة مبدئية مخالفة لكل منطق الربح السياسي إلى الدفاع عن تلك الجماعة…ظللتم أيضاً ضده؟
سينظر النموذجان المساءلان أحدهما إلى الآخر، ومن ثم إلى السائل الحريري، من أي مذهب كان، ويتفكران معاً: هل يمكن أن يكون الجواب عن كل ذلك هو أن السلطة هي الهدف الذي يسعى فريقك إليه؟ هل يمكن أن يكون لهدفيك (السلاح والمحكمة) علاقة بسوليدير وأوجيرو وسوكلين وأخواتها؟
لم نقتنع. حاول مجدداً.

السابق
إلى مجرمي ويكيليكس: مغفورة لكم مجازركم!
التالي
ظاهرة المرتزقة في القانون الدولي