حملة إسقاط النظام الطائفيّ: أيها الزعيم الطائفيّ لا تتظاهر معي فأنا ضدّك

"الشعب يريد إسقاط النظام" من حناجر المصريّين إلى فضاء ميدان التحرير، خرج الشعار للمرّة الأولى، فبدا أشبه بجملة انشائية تفتقر إلى الإبداع، أو مطلع أغنية ثقيلة على السمع ( في بلد يعجّ بالسمّيعة ). كان ذلك صباح الخامس والعشرين من يناير وفي اليوم الذي تحوّل سريعا إلى محطة مفصليّة في تاريخ مصر وتاريخ العالم العربي. لكن الفكرة الأولى ليست الأصحّ دائما، والجملة الفنّية ليست حُكما الأقدر تعبيرا عن مكنونات الناس. هذا على الأقل ما اظهرته التجربة المصرية مع مرور الوقت، حيث تبين أنّ بساطة الشعار ووضوح هدفه كانا من أهم اسباب نجاح الثورة. ومنذ اللحظة التي سقط فيها حسني مبارك اكتشف الشعب ذاته للمرة الأولى، فتوالت الشعارات المتفرّعة عن الشعار الأم : "الشعب يريد إقالة الحكومة"…"الشعب يريد تعديل الدستور"…" الشعب يريد محاكمة الفاسدين"… .الشعب يريد كذا وكذا … فجأة لم يعد الشعب في مصر يقبل الا بما يريد! ولم يكن مستغربا أن ينتقل شعار الثورة – كما الثورة بطبيعة الحال- في كلّ الاتجاهات ليخلخل عروشا ويسقط ديكتاتوريات – أو يوشك على إسقاطها – حتى وصل الى بيروت، فارتبك الناس واحتاروا في كيفيّة التعاطي معه، خصوصا أنّ لبنان ليس ليبيا، وبالتالي لا يوجد فيه رئيس يمضي العقد الرابع من ولايته، ولا هو سوريا، حيث الاستفتاءات التي تلخّص خيار الناس بنعم أو" نعم "، ولا هو مصر أو الجزائر، حيث يتحوّل قانون الطواريء قانونا عاديّا يحكم حياة الناس. لهذا، ربّما عانت الحملة التي انطلقت تحت شعار "إسقاط النظام الطائفي في لبنان" من معضلة أساسية هي معضلة تحديد الهدف؛ فبقدر ما بدا الشعار رباعيّ الكلمات بسيطا وواضحا في مصر(ولاحقا في اليمن وليبيا)، بقدر ما بدا نخبويّا ومُبهما في لبنان، حيث، وبعكس الأنظمة العربيّة الأخرى، لا يمكن اختصار النظام اللبناني بشخص رئيس الجمهورية، ولا حتى رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النوّاب (ولا الثلاثة مجتمعين ). فأكثر رؤساء الجمهورية حظّا مدّدت ولايته ثلاثة أعوام، وأقوى عضو في النادي الحاليّ لرؤساء الحكومات لم يستطع ان يبقى في السراي لحكومتين متتالتين. انطلاقا من هذه المقاربة، لم يتحمّس كُثر للمشاركة في التحرك الأول للحملة، ورأوا فيه مجرّد استنتاخ انفعالي، لما يجري في العالم العربي، وقد ازدادت هذه القناعة مع محاولة اللجنة التنظيمية "للمسيرات اللاطائفية" السير على خطى الثورة المصريّة حتى في أدقّ التفاصيل، وتحديدا لجهة اعتماد الاعلام التفاعلي كوسيلة شبه وحيده لمخاطبة الناس، ورفض مسؤولي الحملة تصوير اجتماعاتهم من قبل وسائل الأعلام (احد المراسلين الذي حاول إجراء تحقيق حول هذا الموضوع عاش تجربة غير سعيدة)، وذلك من دون التنبّه إلى أنّ اقتصار النشاط الإعلامي للثوار المصريين على "الفايس بوك والتويتر" كان سببه ببساطة عدم رغبة وسائل الإعلام الرسمية والخاصة استضافة أيّ منهم.مع هذا كله، وبرغم الطقس العاصف، نجحت أولى التظاهرات في حشد ألف شخص على الأقل، وكان اللافت فيها مشاركة وجوه لا تنتمي الى المجموعات اليسارية التي تعوّدت النزول الى الشارع، وذلك بالرغم من أنّ خطّ سيرها الذي بدأ من نقطة مستهلكة هي (الشياح – عين الرمانة) وانتهى عند نقطة مبهمة الرمزية هي (قصر العدل) أثار تحفّظات البعض. لكن الاختبار أو القطوع الأول مرّ، والتجاوب الشعبي – ولو المحدود – دلّ إلى أنّ هناك نفسا يريد التغيير وأنّ بعضا من الأكثرية الصامتة التي كانت حتى وقت قريب تكفر بجدّية أيّ تحرّك كفرها بالطبقة السياسية الحاكمة باتت أكثر إيمانا بإمكانية تشكيل مجموعة ضغط لتغيير الوضع. هذا التجاوب انعكس ايجابا على المنظّمين الذين اظهروا دينامية لم تكن تظهرها الأحزاب العقائدية التي تمرّست في تظاهرات الرفض طوال السنين الماضية، فبدأوا العمل على معالجة الثغرات ليصبحوا مثلا أكثر تقبّلا – بل وحماسة- للظهور على وسائل الإعلام من دون أن يظهر (أقلّه حتى الساعة) عند أي منهم عقدة " أنا الزعيم" كما بدأ العمل على إخراج الشعارات من إطارها الخشبي وإضفاء نبض من الحياة عليها كي تصبح اكثر صراحة ووضوحا. وبرزت، على سبيل المثال في التظاهرة الثانية والتي بلغ عدد المشاركين فيها خمسة آلاف شخص على أقل تقدير، يافطات من نوع " أيها الزعيم الطائفي لا تتظاهر معي فأنا اتظاهر ضدّك"، وذلك في ردّ غير مباشر على تسابق القيادات السياسيّة على تبنّي التحرّك والإيحاء بأنه ليس موجّها ضدّ أيّ منها، عِلما أنّ الصراحة في التعبير قطعت شوطا اضافيا في التظاهرة الثالثة التي جرت الأحد الماضي، والتي تضاعفت فيها أعداد المتظاهرين، حيث رفعت يافطة كبيرة كتب عليها " حلّوا عنّا" ووضع تحتها صور القادة الثمانية للأحزاب الأكثر تمثيلا في المجلس النيابي (باستثناء أمين عام حزب الله الذي وُضعت صورة النائب محمد رعد بدلا منه!!!) وذلك بالرغم من تحفّظ بعض المشاركين في التحرك ( تحديدا بعض أنصار الحزب القومي والتيّار الوطني الحر). وهكذا، فإنّ ارتفاع منسوب الوضوح في الشعارات من تظاهرة الى تظاهرة، وترافُق ذلك مع تزايد عدد المتظاهرين، وتزايد كمّيات الأرزّ المنثورة من شرفات المنازل يدلّ، ربما، على أنّ اعداد المعارضين على الطبقة الطائفية الحاكمة أو المستعدين لمعارضتها، في حال توفر بديل جدّي، ليسوا بقلّة، وإذا كان قد تكرار مشهد هروب بن علي أو تنحّي مبارك صعبا في لبنان، على اعتبار أنّ الـ "جي 8" التي رفعت صورهم يتمتعون حتما بقواعد شعبية كبيرة لم يفرض حبهم فرضا عليها، فإنّ استمرار تحوّل التحركات التي من المقرّر أن تتواصل بشكل أسبوعي لتتحوّل الى كرة ثلج قد يؤدّي الى اذابة الثلج الجاثم على صدور بعض القوانين ومشاريع القوانين مثل قانون الجنسية وقانون الزواج المدني الأختياري، خصوصا إذا ما أخذ اقتراح التظاهر والاعتصام امام مجلس النواب طريقه الى التنفيذ ليفتح بالتالي اقرار هذه القانون كوّة في الجدار القائم، يبقى توسيعها أو سدّها رهنا بجدّية الحملة، وطول نفس القائمين عليها.

السابق
الكلاب والكابلات تسرق في بنت جبيل
التالي
المعلمون الرسميون في الزهراني: للمشاركة في اعتصام 29 الحالي