بري: المرحلة ملائمة للانقضاض على النظام الطائفي

يتجنب رئيس المجلس النيابي نبيه بري حتى الآن التعليق المباشر والتفصيلي على حملات رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري التي تطاله شخصيا سواء في المهرجانات العامة او في الغرف المغلقة، لمعرفته بأن هناك من يتحين الفرص لإعادة تصنيع أي رد سياسي وتحويله سريعا الى سلعة مذهبية تُروّج في أسواق التحريض والتعبئة، متوقفا في هذا المجال عند خطورة الحساسيات المذهبية التي يراد لها ان تتحرك في بعض أنحاء العالم العربي لإجهاض الحراك الشعبي ولكمّ أفواه المتعاطفين معه إذا كانوا ينتمون الى مذهب معين.
وفي حال تسرب عن بري، خلال الجلسات الضيقة، شيء مما لا يريد التصريح به علنا في هذا التوقيت، يوصي محدثيه بوجوب احترام قاعدة «المجالس بالأمانات» حتى يحين الظرف المناسب لـ«الكلام المباح»، علما انه يملك في جعبته ردودا جاهزة ومفندة على كل ما تثيره «العواصف المتنقلة» للحريري.
إلا ان حرص رئيس المجلس على «ضبط النفس» في مواجهة حملات الحريري لا ينسحب على «النظام الطائفي». يهزأ بري من اتهام البعض لحركة «أمل» بالوقوف خلف التحرك الشبابي المتصاعد، «لان الجميع يعرف اننا لسنا من يقود الشارع، ولكننا لا نستحي في الوقت ذاته من مشاركتنا في أنشطته واستعدادنا لتقديم كل الدعم اللازم بغية إنجاحه، خصوصا اننا كنا من أوائل الداعين الى إلغاء الطائفية السياسية، أما إذا أصر هذا البعض على وضعنا في خانة قيادة هذا التحرك، فلا مفر عندها من ان نقول له ان هذا اتهام لا ننكره وشرف لا ندعيه».

وعندما يأتي الى بري من يروي له ان صورته رُفعت على إحدى اللافتات في التظاهرة الاخيرة، الى جانب صور قيادات أخرى من طوائف عدة، مذيلة بعبارة «حلّوا عنا»، يبدي قدرا من الروح الرياضية في التعامل مع المسألة، فإذا ما حاول أحدهم التخفيف من وطأتها عليه، سارع بري للقول: «أنا أتفهم هذه الرسالة لأنني اضطررت الى ان أكون جزءا من رموز هذا النظام الطائفي».
وتردد ان بري ابلغ أحد قياديي الاحزاب «المختلطة» ان المرحلة الراهنة هي الاكثر ملاءمة للانقضاض على النظام الطائفي لان أزمته وصلت الى ذروتها، «وحتى أنا المعروف عادة بقدرتي على تدوير الزوايا وحياكة التسويات أصبحت عاجزا عن احتمال التعايش معه، ولذا لا بد من الاستفادة حتى الحدود القصوى من مأزقه، للمباشرة في إطلاق مسار تغييره».

ويلفت بري انتباه المنخرطين في معركة إسقاط السلاح، الى ان السلاح الطائفي هو الأخطر على البلد وهو أصل العلة، لانه تسبب بالكثير من النزاعات في الماضي ويهدد بإنتاج المزيد منها في المستقبل، معطلا عملية بناء الدولة العصرية التي تحقق المساواة وتكافؤ الفرص، ما يستدعي تركيز الجهد الحقيقي على نزع هذا السلاح حصرا، باعتباره موجها بالفعل الى صدر وطموح كل لبناني.
من هذه النافذة يطل رئيس المجلس على مطالبة فريق 14 آذار بإسقاط سلاح المقاومة، مشددا على ان المقاومة هي بالنسبة الينا خيار إستراتيجيي وحضاري وليست مجرد بندقية وصاروخ، «وبالتالي فاننا نعتبر انها غير معنية بكل ما يحكى حاليا عن السلاح، لان هذا الكلام الذي يُلقى على عواهنه لا ينطبق عليها».

ويستعيد بري محطات من الماضي، ليستدل على ان التاريخ يعيد نفسه، قائلا: للعلم، ايام الانتداب الفرنسي، كان هناك أيضا من يسعى الى إقامة حزام أمني ومن يعتبر ان المجاهدين في جبل عامل هم رجال عصابات وليسوا مقاومين، وهذا ما دفعني الى تخليد ذكراهم من خلال إطلاق اسمائهم على العديد من الامكنة في الجنوب، منعا لتشويه التاريخ والحقيقة، وما تتعرض له المقاومة اليوم التي يصفها بعضهم بأنها ميليشا هو امتداد للمنطق ذاته وللثقافة ذاتها.. لم يتغير شيء للاسف والأخطاء ذاتها تتكرر.
وعلى خط مواز للجبهة المفتوحة ضد الطائفية، يشير بري إلى أنه سيقف إلى جانب العماد ميشال عون في مواجهة الفساد، وأنه سيذهب حتى النهاية في هذا الملف، «بل إن الكثيرين قد يتفاجأون بالشراسة التي سأبديها متى بدأت تلك المعركة، لأنني أريد أن توضع النقاط على الحروف لمرة أولى وأخيرة، بحيث تُفتح كل الدفاتر مرة واحدة وننتهي من التعميم في الأحكام».
ويضيف بنبرة لا تخلو من الحدة: مجلس الجنوب تعرض للكثير من التجني والافتراء لأنه تجاوز أحيانا بعض القواعد بغية تأمين أفضل الشروط لدعم ابن الجنوب وتمكينه من الصمود في أرضه ومساعدته على إعادة إعمار ما يهدمه العدوان الإسرائيلي، أما أنماط الهدر الحقيقي والإفساد الفعلي فلا يُضاء عليها بالقدر الكافي، ولعل الأخطر على هذا الصعيد يتمثل في ثقافة الفساد التي أُدخلت الى حياتنا السياسية من خلال الرشوة الصريحة وشراء الولاء، كما تبين من خلال «الاعترافات الموثقة».

السابق
اليمن.. ووقع المحظور
التالي
شعب العراق يحلم بديمقراطية حقيقية