الصهرالكسرواني لسليمان…يشعل حرب الجنرالين

وسام بارودي: الترشح للانتخابات وارد.. ولم أحدد الحليف ولا الخصم

حرب مفتوحة بين «الجنرالين».. تنتظر «المنازلة الكبرى» في 2013

في بلدة الكفور الكسروانية، منزل يختبئ خلف «دروع» الأشجار، لكن الأهالي يهتدون إليه بسهولة لأنهم يدركون مكانته. في «الويك أند»، تفتح صالوناته لاستقبال أصحاب المراجعات. طلب من هنا، توصية من هناك، شكوى على الواقف، ومديح على الجالس… فيما وسام بارودي يسجّل الملاحظات في ذهنه حيناً، وعلى قصاصات صغيرة، أحياناً أخرى.
مشهد قد يكون عابراً في يوميات هذا المنزل ومشروعاً في العمل السياسي، لكنه قادر على إثارة الحساسية في نفوس كلّ من تصله أصداؤه، لا سيما أولئك الذين يعتبرون أن فصوله تجري على «أرضهم». «التيار الوطني الحر» يراقب عن بعد صهر رئيس الجمهورية ميشال سليمان يراكم استعداداته للعام 2013، ليكدّس بدوره الأسباب التي تدفعه إلى شحن كلّ ذخيرته، بوجه الرئاسة الأولى… بعد تصنيفها في خانة الخصومة.

يقترب عهد الرئيس ميشال سليمان من نصفه الثاني، وهو لم ينجح حتى اللحظة، في تطبيع علاقته بالزعيم الماروني الأقوى: ميشال عون. التشنّج يغلب على ما عداه. وبعد أكثر 35 شهراً من «التعايش» على طاولة مجلس الوزراء، صارت «الحرب» بين «الجنرالين» مفتوحة وعلنية، تنتظر «المنازلة الكبرى»، في العام 2013، التي يرجّح «البرتقاليون» أن تكون خارطة طريقها شبيهة بالاستحقاق النيابي الأخير.

لا يحتاج الباحث في باطن تلك العلاقة المتقلّبة على جمر التزاحم على الشارع المسيحي، إلى الكثير من المؤشرات، ليفهم أن محطات الوئام القليلة التي جمعت بين الرجلين، كانت استثناء في مسار حفل بالشوائب، منذ لحظة وصول سليمان إلى القصر الجمهوري على صهوة حصان التوافق، ويكاد يحمل العلاقة الثنائية إلى حائط مسدود، بفعل «انقلاب» سليمان على كلام كان قد أبلغه إلى عون عشية انتخابه، مفاده أنه لن يغرف من وعاء «الحيثية الشعبية».

لكن ميشال سليمان لا يفوته أن ميشال عون اختلف مع أقرب حلفائه وتحديدا «حزب الله» في أيار 2008، باصراره على أن يكون مشهد الرد على الخامس من ايار كاملا ومتكاملا لأنه كان في سره يمني النفس بأن يكون ذلك الانقلاب بمثابة خارطة طريق لوصوله الى قصر بعبدا، بينما نصف الانقلاب يقود الى تسويات وهذا ما حصل آنذاك.

في متن «المطالعة الاتهامية» التي أعدّها «البرتقاليون» بحق الرئاسة الأولى، الكثير من الحجج التي تحضّهم على إسقاط «ورقة التين» التوافقية عن الموقع الماروني الأول، وهم جاهزون لسرد تفاصيلها متى سئلوا عنها: التعيينات القضائية التي مرّت من تحت أقدام «جنرال الرابية»، مثلها مثل تعيينات كازينو لبنان، وكلها تعكس شهية مفتوحة لدى «جنرال بعبدا» للقضم من الصحن «البرتقالي».
الانتخابات البلدية كانت شاهداً حيّاً على وجود بصمات «سليمانية» فاقعة في الاستحقاق المحلي، عبر معركة الصهر الجبيلي، وجهود الصهر الكسرواني تحضيراً للانتخابات وفي معركة الاتحاد. أما سيرة الانتخابات النيابية فهي قادرة على إخراج «البرتقاليين» من «ثيابهم»، بعد تعداد «التدخّلات» المباشرة وغير المباشرة لدوائر القصر الجمهوري، فكانت «الخطيئة» الأولى في سجل الارتكابات، التي طاف «كوبها» بعد التباين حول العديد من الملفات السياسية وأبرزها قضية شهود الزور.
يومها، حاول «التيار الوطني الحر» الاستعانة بحوار مع الرئاسة الأولى و«رجالها»، لتحييدها عن ساحة الانتخابات النيابية. الان عون ووسام بارودي قادا جزءاً منه، فيما اللواء الراحل وفيق جزيني تولى الجزء الآخر. بحسب «البرتقاليين»، فإن المبادرة كانت تهدف إلى تفادي المواجهة على الرقعة المسيحية مع سيّد القصر الجمهوري. كان المطلوب صياغة تفاهم ولو غير معلن، يعيد بعبدا إلى بعبدا، مقابل دعم سياسي لـ«تكتل التغيير والإصلاح» للمقام الأول، يتجاوز الاستحقاق إلى الحكومة التي ستليه.
مشروع التفاهم تكسّر على صخرة الترشيحات النيابية التي توالت الواحدة تلو الأخرى تحت مظلّة الوسطية، التي رعتها بعبدا بشكل مباشر… فيما اسفين الخلاف راح يغرق أكثر في أكثر، بعدما اختار الرئيس سليمان، وإن لم يقلها، تشكيل كتلة نيابية، تقف بالمبدأ إلى جانب الرئاسة الأولى، وتقتصّ فعلياً من نفوذ «التيار الوطني الحر» في بقعته، على اعتبار أنّ كلّ تلك الترشيحات، وقفت في صفّ خصوم «البرتقاليين».
في المقابل، تفتقد جعبة «الرئاسيين» لاعتبارات مقنعة تدفع بالعماد عون إلى شنّ حملاته المتقطعة بوجه قصر بعبدا. يعجزون عن رسم مسار مدجّج بأسباب موضعية وواضحة تبرر أداءه. ولهذا يفضل هؤلاء اختصار العلاقة بنتيجة واحدة تبدو من جهتهم: لا إشكالية مع الجنرال.

في إفادتهم الدفاعية، مفهوم التوافقية الذي ميّز أداء قائد الجيش ومنحه «فيزا» التربّع على الكرسي الرئاسي، لا يعني أبداً أن يكون فاقداً للرأي. «رئيس الجمهورية هو رأس السلطة التنفيذية، وكأي شخص يتولى المسؤولية، له موقفه من كلّ القضايا المثارة، قد يلتقي مرّة إلى جانب هذا الفريق، ومرّة أخرى إلى جانب ذلك. وهذا بالطبيعي سيولّد مساراً متكاملاً، وقد ينتج خطّاً سياسياً، له مريدوه، كما نابذوه».
يدافع «السليمانيون» عن حق رئيس الجمهورية بهندسة مشروع سياسي له، قد يؤسّس لحالة شعبية في مرحلة ما بعد انتهاء الولاية الرئاسية. ومن يدورون في فلكه، ينطلقون من حيثية شعبية، قد تنساق لأفكار الرئاسة الأولى وقد ترفضها. ولكن بالنتيجة ثمة تفاعل مع الجمهور لا يجوز قمعه.
هي البقعة المسيحية بينهما، التي ولّدت التشنّج في العلاقة، لا سيما وان كلّ التوضيحات التي أفرد لها «الرئاسيون» صفحات من باب التبرؤ من مشروع تشكيل كتلة نيابية، لم يلحم زجاج الشك الذي انكسر، وإن كان هؤلاء يجاهرون بالقول: لو كان للرئيس نيّة باختراق مقاعد النواب، لكان صهره بارودي أول المتقدمين بطلب ترشيحه. يسندون هذا القول بتأكيد مفاده أن الرئيس سليمان صريح وواضح في أدائه، ولا حاجة للاستعانة بالمواربة كي ينفّذ ما يريد. وذلك ردّاً على تهمة «الباطنية» التي يطلقها «العونيون» ضده.
شدّ الحبال الحاصل اليوم حول الحكومة، والذي تدور رحاه في ساحة وزارة الداخلية، واحد من عدّة الحرب المستمرة بأشكال متنوعة. ذريعة «العونيين» بالمطالبة بهذه الحقيبة تتجاوز الحسابات الانتخابية: لقد ضمّت سابقاً إلى حصة رئيس الجمهورية من باب تحييدها بين الفريقين الخصمين، ولمّا كانت الحكومة المنوي تأليفها من لون واحد، فلا بدّ من إسنادها إلى التكتل الممثل للأكثرية المارونية. وبالنتيجة، فإن إصرار الرئيس سليمان على الاحتفاظ بحقيبة الداخلية، هو من باب محاصرة نفوذ «التيار» كمّاً ونوعاً.

لفريق الرئيس قراءته الخاصة: رفع سقوف التفاوض هو من أصول العمل السياسي، ولا يجوز تحميله أكثر مما يحتمل. ولمشاورات تشكيل الحكومة تأثيرها على التواصل بين الرجلين، من دون أن يعني ذلك أن حرباً شرسة اندلعت بينهما. مع التقاط الصورة التذكارية للحكومة الميقاتية ستكون هذه الصفحة قد أحيلت إلى التقاعد. ولكن على الأكيد، لن يخرج أي من «الجنرالين» من هذه «الحلبة» خاسراً.
يضيفون: لا نعتبر وجودنا على الأرض أو حركتنا هي من باب التنافس مع «التيار». ماذا لو قررنا عدم خوض الاستحقاق النيابي المقبل؟ لا بدّ من فصل واجباتنا الاجتماعية تجاه جمهورنا، عن موقفنا من الانتخابات المنتظرة، وإن كان الطموح في العمل السياسي مشروع لكل اللبنانيين، إلا أنه لا يجوز الحكم على النوايا والتعاطي معنا بصفة الخصوم. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من غير المنطق الضمان بأن هذه الحكومة هي التي ستشرف على الانتخابات النيابية المقبلة.
ولكن بارودي لا ينفي احتمال خوضه الانتخابات النيابية المقبلة ويقول صراحة: «الامكانية واردة، ولكنني لم أحدد بعد من سيكون حليفي ومن سيكون خصمي في الاستحقاق».
وعلى الرغم من كلّ هذه التباينات، فإن العلاقة ليست سيئة كما تظهر من الخارج، وفق تأكيد «جماعة الرئيس» بأن هذه التباينات ليست جوهرية، ومساعي ترطيبها لا تزال جارية، وإن بمبادرات فردية. أما «العونيون» فلا يشعرون بوجود وساطات جديّة، «وبعض الكلام المنقول بين الرجلين، لا يبني مبادرة متكاملة».

وفي تقدير «البرتقاليين»، فإن العلاقة مع الرئاسة الأولى مرتبطة بأداء سيّدها وجوابه على التساؤلات الثلاثة:
– هل يريد رئيس الجمهورية بناء سدّ نيابي من حوله؟
– أم أنه يريد التفاهم مع الكتلة المسيحية الأكبر؟
– أم سيختار السعي لتعزيز صلاحياته؟
الجواب الحاسم من شأنه أن يلغي أي التباس في العلاقة، وفق المنظور «العوني»، فإمّا يأخذها إلى شاطئ التفاهم، وإمّا يحملها إلى ساحة المواجهة، وإن كان من حق الرئيس امتلاك كتلة نيابية، ولكن شرط «تبنيها» بالعلن. استنساخ تجربة انتخابات العام 2009، هو المرجّح برأي «التيار الوطني الحر»، حيث من المتوقع بنظرهم انضمام مرشحي رئيس الجمهورية إلى قافلة الخصوم، الأمر الذي سيزيد من حالة التوتر بين الفريقين.
ولكن حتى ذلك الموعد، فإنّ التعايش القسري على طاولة مجلس الوزراء، محتّم ولا يمكن القفز فوقه، حيث سيتعاطى تكتل «التغيير والإصلاح» مع الموقع الرئاسي وفقاً للأصول الدستورية، «وقد يلتقي وزراء هذا الفريق، كما أنه لن يقفل الباب أمام احتمالات تحسين العلاقة، إذا ما استدعى أداء الرئيس هذا التحسّن… وإن كان الأمر مستبعداً».
أما حلفاء «التيار الوطني الحر» غير المنغمسين في معركته بوجه الرئاسة الأولى، فيتفهمون خصوصيته، وفق «البرتقاليين»، غير المنزعجين من «حيادهم الإيجابي»، «طالما أنهم يقفون إلى جانبنا في زمن المحطات الأساسية، علماً بأنهم ليسوا في موقع الحياد الإيجابي، لأنهم يؤكدون دوماً وقوفهم إلى جانب مطالبنا».

… حتى اللحظة، اللقاء بين الجنرالين وارد، وهناك من يحاول تسريع حركة عقارب الساعة، كي يقترب الموعد، إذا ما نضجت ظروف الطبخة الحكومية، علما أن من بين مفارقات التكليف الحكومي أن ميشال عون وميشال سليمان، كانا متفقين ضمنا وكل على حدة، بأن مرشحهما المفضل لرئاسة الحكومة هو محمد الصفدي قبل أن تأتي كلمة السر ويصبح نجيب ميقاتي.

السابق
تدخل فرنسي
التالي
سوريا «بررت»