سوريا تستعين بميزان الذهب في التعامل مع لبنان

لا يبدو احد من المراجع السياسية في لبنان متيقنا تماما من مدى تأثر او اتصال تأخر تأليف الحكومة العتيدة بالتطورات المتسارعة في العالم العربي. لكن بعض هؤلاء يرسمون علامات استفهام عما اذا كان ممكنا تجاوز المغزى الذي نتج من التطورات في البحرين مع دخول قوات خليجية الى المملكة لقمع المعارضة، الشيعية في غالبيتها.
ومع ان سوريا لا تترك لزوارها فرصة التكهن بوجود حذر لديها في كيفية التعاطي في ملف الحكومة في لبنان على وقع التطورات غير المعروفة الافق في المنطقة والتي بدأت تشهد بعضا من صداها، فان عارفيها يعتقدون انها تزن كل خطواتها بما فيها تلك التي تتعلق بلبنان راهنا بميزان الذهب حرصاً على عدم التسبب بخطوة ناقصة تنعكس سلباً عليها او تعجل في مسار امور تتجنبها وخصوصا متى اتصل الامر بوضع سياسي بامتدادات طائفية او مذهبية. اضف الى ذلك ان تصعيد طهران مواقفها في موضوع البحرين على رغم ما يراه كثر ازداوجية سياسية لا تتفق مع حملات القمع التي تقوم بها السلطات الايرانية ضد معارضيها، فان المسألة ان الاوراق باتت كانها وُضعت مكشوفة على الطاولة من دون مواربة ولا تكاذب وان الدول العربية الخليجية لن تسمح لايران، التي تعتبر أنها وراء تحرك الجماعات الشيعية في الدول العربية، بان تعبث بامن الدول الخليجية. وقد ساهمت التظاهرات في بعض الدول العربية لابناء هذه الطائفة تضامنا مع المعارضة البحرينية في اذكاء طابع ان الامور قد تؤول الى صراع اكبر، بعضه يعبَّر عنه في مواقف طهران من جهة والتعرض للسفارة السعودية في ايران، وبعضه يعبر عنه بمواقف "حزب الله" من جهة اخرى في اطلالة معبرة للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله تحت عنوان الانتفاضات العربية في حين ان الهدف الاساسي هو المعارضة البحرينية كما رأى هؤلاء.

وتاليا فان السؤال الاساسي الذي يبرز تبعاً لذلك هو: هل يساهم ما يحصل في البحرين وفي تفاعل تطوراتها في ايران وفي دول اخرى، في زيادة صعوبة تاليف حكومة اتسمت منذ انطلاقتها بطابع اسقاط "حزب الله" حكومة الرئيس سعد الحريري وفق ما اعلن الامين العام للحزب بنفسه واعتبارها من الخارج، على رغم الجهود التي يبذلها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من اجل اعطائها طابعاً متوازناً، بأنها حكومة عمودها الفقري هو الحزب وقد سجل انتصاره على الآخرين. ففي ظل الاستنفار الخليجي حول موقف موحد من موضوع البحرين والتحرك لوضع حد للتلاعب الايراني بأمن المنطقة، كما تقول المصادر المعنية، من الصعب ان تشهد الحكومة النور في ظل انكفاء سوري عن التدخل، ليس لأن سوريا لا تريد أن تسجل على نفسها اي مأخذ امام الخارج او تعطيه هذه الورقة كما فعلت بالتمديد للرئيس السابق اميل لحود باعتبار انه السلوك الجديد الذي يشاع عن اعتماده من سوريا، بل بناء على حسابات معقدة في ضوء ما يجري في المنطقة. اذ ان رياح التغيير تعصف في ارجاء العالم العربي برمته وهو واقع لا يمكن تجاهله وفق ما يدرك الجميع ولا يبدو اي بلد في منأى عما يحصل، وهو امر يهابه السياسيون اللبنانيون وقد تراجعوا عن رمي بعضهم البعض بتهم الانتماء الى دول تهوي او الرهان على ان تهوي دول اخرى، كما كان الامر قبل اسابيع قليلة، ولو ان هناك كثراً ممن يعزفون على هذا الوتر. والرئيس ميقاتي لا يستطيع ان يذهب في اتجاه اعطاء قوى 8 آذار ما تريد، ولو لم يكن "حزب الله" في الواجهة بل احد ابرز حلفائه، سعياً منه مع الرئيس ميشال سليمان من اجل تأمين فرص الحياة لهذه الحكومة. اذ حين ينقل عن رئيس الجمهورية قوله امام زواره انه لن يوقع مراسيم حكومة من لون سياسي واحد على رغم انها فعلا حكومة 8 آذار وليس من فريق سياسي آخر يشاطر هذه القوى الحكومة، فانما يرمي الى توجيه رسالة الى انه مع الرئيس ميقاتي، وربما النائب وليد جنبلاط، هم من سيوازنون الحكومة لئلا تكون فريقاً واحداً علماً ان هناك من لا يرى هذا التمييز الذي يجريه رئيس الجمهورية من منطلق اعتبار هذه المصادر انه انحاز الى الفريق الآخر حين قرر ارجاء الاستشارات التي كانت ستأتي بالرئيس سعد الحريري الى حين قلب التوازن السياسي. لكن هذه الرسالة موجهة للخارج بمقدار ما هي موجهة للداخل وعجز الرئيس سليمان والرئيس ميقاتي عن انكار طابع غلبة "اللون السياسي" الواحد على الحكومة يجعل من الصعب جدا، بالنسبة الى هذه المصادر، ان تحظى الحكومة بالتغطية التي تسمح لها بالولادة في ظل اوجه الصراعات التي تكشفت اخيرا.

هل هذا هو الواقع ام انها مبررات يمكن ان تجد طريقها بسهولة الى منطق اللبنانيين الذين اعتادوا ربط سياسييهم اي تطور في لبنان بما يحدث في دول الجوار واحيانا في دول العالم الاخرى بفعل تأثر لبنان بأي مد وجزر في المنطقة في حين ان ما يحدث راهنا يعد اكثر بكثير من ذلك؟

السابق
إيران وموقفها من الثورات العربية
التالي
الفايسبوك زينة الرجال