الفايسبوك زينة الرجال

التعبير الاصلي هو "السلاح زينة الرجال" وهو للامام المغيب في ليبيا السيد موسى الصدر. لكنه، وقبل غيبته التي لم تعد صغرى في الجماهيرية التي يحكمها العقيد معمر القذافي راجع طويلا هذا الشعار الذي اطلقه عندما كان لبنان خارج الحرب المدمرة التي عصفت به عام 1975. لكن هذا الامر لم يرق الذين اخذوا حركته الى مكان آخر بعدما ضاعت آثاره في مجاهل الجماهيرية. فراحوا في الفترة الاخيرة يكثرون من استخدام عبارته حتى ولو اقتضى الامر عقد مهرجان شعري من اجلها.
على ما يبدو ان جماعة السلاح المشغوفين بزينته يعانون اعراضاً ليس واضحا ما اذا كانت جانبية ام جوهرية وهذه الاعراض تتمثل بعدم القدرة على القراءة او المشاهدة او السمع. وهذا ما ظهر جلياً وتباعاً في الايام الاخيرة. فهؤلاء ومنذ الاحد الماضي عندما امتلأت ساحة الحرية في بيروت والمناطق المؤدية اليها بمئات الآلاف من عشاق الدولة جادلوا بأنهم لم يشاهدوا الا القليل من الناس ثم أتبعوا عارض عدم الرؤية بعارض عدم السمع قبل يومين عندما قال نائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم انه لم يسمع شيئاً في مهرجان ساحة الحرية يستحق الرد في وقت كان صوت عشرات الآلاف يهدر في طرابلس احتفاء برئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري تأييدا لشعار "لا لوصاية السلاح". وبين عدم الرؤية وعدم السمع ظهر عارض عدم القراءة لما نشرته "النهار" الخميس الماضي بعنوان "هل لدمشق علاقة باختفاء الامام موسى الصدر؟" الذي توّج مقالا نشرته "الويكلي ستاندرد" وكتبه كبير محرريها لي سميث. في هذا المقال ما يفيد ان دمشق "هي التي قالت له (القذافي) ان يلفق الرواية انه (الصدر) شوهد آخر مرة يغادر ليبيا متوجها الى ايطاليا حيث يزعم انه اختفى".

في ظل هذه الاعراض أكانت عرضية ام جوهرية، لا يبدو مفيدا ان يفكر احد في اجراء حوار مع الذين يعانونها قبل شفائهم منها. لكن ذلك لا يعطي فكرة كاملة عن حقيقة اهل السلاح الذين رفعوه مرات الى مرتبة القداسة لكونه آتياً من ولي الفقيه الايراني. الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله يشرح للاستاذ كريم بقرادوني بعد اشهر من حرب تموز التي احرزت فيها المقاومة كما قال نصرالله "نصراً الهياً" اهمية ان يتمتع الحزب بامتياز حمل السلاح في لبنان. ففي كتابه "صدمة وصمود" الذي يوثق عهد الرئيس اميل لحود بين عامي 1998 و2007 ينقل بقرادوني عن نصرالله: "(…)ان ضعف الدولة في لبنان أتاح الفرصة لقيام المقاومة"، و"ان النظام الديموقراطي في لبنان، على كل عيوبه مكّن المقاومة من ان تعمل داخل المجتمع وخارج الدولة بفضل هامش الحريات الواسع. حظ "حزب الله" انه ولد في لبنان كلبنان".

قبل ايام، وفي احدى الوثائق التي صدرت عن السفارة الاميركية في بيروت خلال حرب تموز 2006 وسرّبها موقع ويكيليكس يقول النائب الدكتور فريد الخازن عضو تكتل "التغيير والاصلاح" الذي يتزعمه النائب العماد ميشال عون "ان الحزب (حزب الله) استخدم سلطات يجب ان تكون محصورة في يد الدولة وعرّض امن لبنان للخطر بدرجة عالية". بالتأكيد ان ما قاله الخازن هو وصف دقيق لسلوك "حزب الله" علما ان النائب هو ايضا باحث مرموق وله كتاب رصين بعنوان "تفكك اوصال الدولة في لبنان 1967 – 1976" الذي يعرض بعمق لدور المقاومة الفلسطينية ودور سلاحها بفعل التواطؤ العربي والدولي في انهيار لبنان عام 1975. ويقول في هذا الكتاب مع شهادات مرموقة "ان اهم ما عرّض لبنان للاهتزاز هو انفتاح نظامه السياسي".

هل هي مشكلة نظام في لبنان؟ ما يشهده العالم العربي اليوم يقدم جوابا نافياً. فعتاة هذه الانظمة يسقطون تحت وطأة جيل يتباهى بأن "الفايسبوك زينة الرجال". وما يشهده لبنان منذ الحشد التاريخي في 14 آذار 2005 هو انطلاقة مبكرة لهذا الجيل. مع فارق ان الطاغية في العالم العربي هو صاحب السلطة في حين انه هنا هو صاحب السلاح الذي لن يوقف مجرى التاريخ الجديد. ولا ضير اذا لم يتذكر السيد نصرالله في اطلالته مساء امس ما يجري في سوريا وما جرى في ايران.

السابق
سوريا تستعين بميزان الذهب في التعامل مع لبنان
التالي
هل هي الشرارة السورية؟