هل ستدخل بلديات النبطية عصر المكننة؟

نجح برنامج "تقوية إدارة البلديات في لبنان" الذي اطلقته وزارة الداخلية والبلديات عام 2005، بالتعاون مع جامعة ولاية نيويورك (ألباني) ووكالة التنمية الأميركية في "زرع" أجهزة الكومبيوتر داخل المقار البلدية فقط، إذ اقتصر تشغيل نظام "ألباني"، الهادف الى تعزيز الرقابة المالية معلوماتياً، على 4 أو 5 بلديات من أصل 29 بلدية منضوية في "اتحاد بلديات الشقيف" لكن، في مقابل ما عكسته الوقائع من إخفاق أكيد، نجحت ثلاث بلديات "نبطانية" في مكننة عملها بكل جوانبه، انطلاقاً من أسس النظام الذي اعتمدته الوزارة، فماذا عن تجربتها؟

المكننة ضرورة مستقبلية

تعدّ بلدية النبطية من البلديات السبّاقة في مجال المكننة على مستوى محافظة النبطية، لأن "المكننة في أقسامها اليوم لا تقتصر على الجوانب المالية فقط، بل تتعداها لتشمل مختلف الجوانب الإدارية"، وفق ما أكده رئيس البلدية أحمد كحيل لـ"النهار".
وبالسؤال عن أسباب سعيهم الى مكننة عملهم منذ مدة طويلة نسبياً عكس بلديات أخرى، أجاب: "قرر المجلس البلدي مع بدء الداخلية إدخال برنامج "ألباني" في شكل تدريجي الى البلديات في العام 2005 تشغيل البرنامج بمختلف تفاصيله، اي من القلم الى الموازنة، مروراً بالنفقات والواردات. وشدد المجتمعون يومذاك على ضرورة تطويره ليشمل كل جوانب عملنا البلدي. فالمجلس البلدي آنذاك كالحالي، آمن بأن الإدارة المتطورة والناجحة هي "ادارة بلا أوراق". واليوم بعد التجربة لمسنا الفارق على كل الصعد. فالمكننة اتاحت لنا معرفة دقيقة عن كيفية انتظام عمل الإدارات واللجان البلدية، وهذا تفصيل يتيح لكل بلدية البقاء على البوصلة الصحيحة في حال وجود إرادة بمتابعة التقارير الدورية".
وأضاف: "اليوم لدينا انظمة معلوماتية في كل أقسام البلدية، حتى اننا حددنا النواقص في نظام "ألباني" وعملنا على تشغيل برامج بديلة، بحيث بتنا نستطيع إجراء تخمين، بالتعاون مع التنظيم المدني، لأي عقار نريد في المدينة بكبسة زر، بالإضافة الى تحديد القيمة التأجيرية، اذ بتنا نحضر لمكننة السنترال وفق آلية التحويل الصوتي، لكننا لا نزال نعاني مشكلة في أمانة الصندوق بسبب عدم قانونية إصدار إيصال مالي بطريقة ممكننة".
ومن جهته، سارع المجلس البلدي في كفررمان بعد فوزه في الانتخابات البلدية عام 2010، الى تنفيذ وعده الانتخابي بمكننة العمل المالي والإداري في البلدية استناداً الى رغبة رئيس البلدية، كمال غبريس. غبريس شدد لـ"النهار" على انه "سعى منذ اليوم الاول لتوليه الرئاسة الى نقل تجربة المكننة الإدارية والمالية من شركاته التجارية الى البلدية، المجلس البلدي الحالي أردناه أن يعمل بروحية المؤسسة الجماعية، مما استدعى تطبيق المكننة التي تتيح تحديد المسؤوليات، لانها تضع حداً للفوضى في العمل الإداري والمالي في ظل غياب أنظمة معوماتية للرقابة، وتالياً نتمكن من محاسبة المقصرين ومعالجة الانحرافات إن وجدت".
ولفت الى انه "عندما تسلم البلدية لم يكن هناك أي برنامج معلوماتية خاص بوزارة الداخلية يعملون بمقتضاه لتسيير شؤون البلدية المالية والإدارية. لذا بادرت، بمساعدة خبراء في مجال الكومبيوتر من ابناء بلدتي، الى إنشاء نظام خاص يتضمن معلومات شاملة ومفصلة عن السكان، فضلاً عن تنظيمه طريقة إصدار المعاملات الإدارية وفق الأصول القانونية بالتزامن مع تأطيره النفقات والواردات في موازنة مدروسة تتيح لنا تحديد سياستنا الإنفاقية في النشاطات والأعمال البلدية".
أما بلدية زبدين، ففصول المكننة فيها لم تكتمل بعد لتشمل مختلف جوانب العمل البلدي، وفق ما قال رئيس البلدية محمد قبيسي لـ"النهار": "بلديتنا من البلديات الصغيرة التي لا تستطيع تحمل كلفة إنشاء انظمة معلوماتية خاصة بها، لكننا منذ تسلّمنا البلدية سعينا الى استثمار فوائد نظام "ألباني"، الذي يضمن في حال تشغيله شفافية مالية مطلقة كون المعلومات التي تدخل الى النظام لا يمكن محوها ابداً".
وأضاف: "نريد تسهيل مهماتنا الإدارية والمالية لا اكثر، والنظام الحالي يحقق هدفاً مرحلياً لنا طالما أن اعمالنا لا تزال قليلة، مع العلم أن تشغيله ساهم الى حد كبير في زيادة الجباية من المكلفين. نحن لا نزال ندرس إمكان إضافة برامج أخرى الى برنامج "ألباني" مستقبلاً، او إنشاء نظام خاص متكامل لكن هذا كله ستحدده الدراسات الخاصة بمستقبل البلديات، بالتعاون مع الاتحاد، لأنه بعد المسح الديموغرافي الذي اجريناه للبلدة بتنا متيقنين من حاجتنا الى مكننة شاملة مرتبطة بالاتحاد في السنوات القليلة المقبلة لمواجهة النمو السكاني المتزايد وما سيقابله من زيادة في الطلب على الخدمات البلدية".المكننة المنفردة: خطوة ناقصة؟

قد تحقق المكننة على مستوى العمل البلدي فوائد جمة، لكنها لا تزال خطوة ناقصة في ظل إدارات رسمية غير ممكننة في شكل كامل، فكيف الحال إذا كانت المكننة فردية في بعض البلديات؟
استغرب غبريس سؤالنا قائلا: "لا أرى في اي خطوة تطويرية خطوة ناقصة في حال عدم شمولها بقية البلديات، بل على العكس، المكننة خطوة جيدة جداً كونها الوسيلة الوحيدة التي تساهم في إنجاح العمل الإداري والمالي. هذا فضلاً عن الخبرة التي سنكتسبها من المكننة، والتي ستتيح لنا نقلها الى بلديات أخرى تريد ولوج درب التطور في عملها. وهنا اجزم بأن قمة العمل البلدي، بما فيه مصلحة المواطن والبلدية، لا يمكن أن يتحقق ما لم يبادر أحدنا الى إحداث نقلة نوعية في عمله تشجع الآخرين في حال نجاحها على المضي قدماً خلفه في مسيرة التنمية التي يوجهنا نحوها دونما الرئيس نبيه بري".
إلا أن كحيل لا يشاطره الرأي، لاعتباره "كل ما تحقق على صعيد المكننة لا يزال غير كافٍ ويجعلنا متأخرين عن مواكبة التطور الحاصل في دول أخرى. هناك نظام معلوماتي حديث يطلق عليه اسم IT، يحقق ربط الجباية بالعقارات، فضلاً عن تأمينه معلومات تفصيلية عن البنى التحتية وغيرها من التفاصيل، فمثلاً يمكن تحديد مكان انفجار أي انبوب تحت الأرض في شارع عام دون الحاجة الى حفر الطريق بكاملها بما يضمن وقف الاهدار في الأشغال".
ولفت الى أن "المكننة المعتمدة حالياً ساهمت الى حد كبير في تسريع وتيرة العمل البلدي لأن الموظفين لم يعودوا قادرين على الممطالة في ممارسة عملهم، كونهم متابعين من قبلنا بتقارير دورية تحدد مسار المعاملات وأسباب عدم إنجازها ضمن المهل المحددة قانوناً، مما جعل نسبة الإنجاز في بلديتنا تناهز الـ90 في المئة، لكننا نطمح لأن تصبح بلدياتنا إلكترونية، تسهيلاً لمعاملات المواطنين الى أقصى حدود".
في المقابل لا يحبذ قبيسي تحديد ما إذا كان "الانفراد بالتطوير خطوة ناقصة"، مفضلاً الحديث عن صعوبات السير في التطوير بصفة منفردة بقوله: "النظام يحتاج الى update دائم فضلاً عن تدريب متواصل للموظفين، علماً أن الخطورة تكمن في تأمين الصيانة والمتابعة بعد انتهاء عقد الداخلية مع جامعة ألباني، فهل سنترك في منتصف الطريق؟!"، لافتاً الى ان النجاح الأساسي المحقق بالمكننة المنفردة، في رأيه، يتمثل "بتطبيق شعار "لا ملفات في الإدراج"، لانه بذلك نضمن للمواطنين تسهيل شؤونهم في الدوائر الرسمية بلا عوائق سخيفة".

هل يبادر الاتحاد الى مكننة البلديات؟

لا يختلف رؤساء البلديات المنضوية في اتحاد بلديات الشقيف حول اهمية السير بمشروع "مكننة العمل البلدي"، لكنهم، بفعل ضعف الخبرة والإمكانات المالية، يتطلعون الى الاتحاد للقيام بدور ريادي، فما الذي قاله رئيس الاتحاد في هذا المجال؟
انطلق رئيس إتحاد بلديات الشقيف الدكتور محمد جميل جابر في حديثه لـ"النهار" من تحديد الأسباب التي تستوجب إطلاق المكننة من بوابة الاتحاد "فإمكانات البلديات لا تؤمن فرق الصيانة والموظفين القادرين على متابعة العمل وفق نظم المعلوماتية الحديثة. لذا بادرنا الى إعداد دراسة لمكننة عمل البلديات ثم ربطها مركزياً بالاتحاد، بما يخفف الأعباء المالية عليهم من ناحية ويجعل البلديات المتعثرة تفيد من خبرات غيرها لاتخاذ قرارات إدارية ومالية صائبة. وهكذا سيتمكن الاتحاد من إيجاد حلول سريعة والحؤول دون تراكم المشكلات لدى البلديات، مع العلم أننا نلقى تجاوباً بنسبة 75 في المئة من مجموع رؤساء البلديات الأعضاء في الاتحاد في مع مشروعنا".
وهل يمكن لاتحاد بالكاد تكفي موازنته لتغطية نفقات تلزيم شركة لجمع النفايات في البلدات، المبادرة الى مشروع المكننة؟
يضحك ثم يقول: "المشروع مكلف حقاً، لكن إذا توافرت النية والإرادة الحقيقة يصبح تأمين الاموال اللازمة تفصيلاً لا يمكن له أن يحدّ من طموحنا الهادف الى إدخال بلدياتنا في عصر المكننة، شرط أن تكون سلتنا شاملة ومتكاملة". فهل ينجح الاتحاد في ما فشلت وزارة الداخلية والبلديات في تحقيقه منذ ما يقارب الست سنوات؟

السابق
انتحار شاب أبكم في النبطية
التالي
القذافي بين الانتصار والهزيمة