كيف يقارب “حزب الله” الواقع الثوري العربي؟

تكثر الاسئلة حول مستقبل مرحلة يمكن القول انها الادق والأخطر في التاريخ العربي الحديث الذي لم يعرف حراكا شعبيا كالذي يعيشه اليوم، لما سيكون لها من تأثيرات وتداعيات سترتسم معها معالم حقبة عربية واقليمية تمتد لعشرات السنين المقبلة.
ولعل احد تلك الاسئلة الملحة يتعلق بالعلاقة المنتظرة بين العالم العربي وشعوبه المنتفضة، من ناحية، والطرف الاقليمي الاكثر التصاقا وتماسا منذ عقود مع الواقع العربي المأزوم، أي إيران.
والسؤال هنا لا يتعلق فقط بالنظرة الايرانية وتلك التي للمقاومة تجاه هذا الحراك، والواقع المأمول من قبلهما للمنطقة وخريطتها السياسية، بل ان الامر يتعدى ذلك لطرح مسألة نتائج هذا التأثير في العالم العربي، في ظل «فزاعة» ما يسمى «التغلغل» الايراني في العالم العربي، الذي يعيده البعض الى «الفراغ» الذي خلفه تقاعس الأنظمة العربية عن القيام بالمهام القومية والوطنية التي تتطلع اليها شعوبها، خاصة على صعيد قضية الصراع العربي الاسرائيلي.
وكان من الملاحظ ان المقاومة، وراعيتها الابرز طهران، قد تعمدتا عدم المبالغة في التعليق على الاحداث العربية، حفاظا على خصوصية تلك الاحداث، من ناحية، وحماية للتطورات من أي استغلال لموقف ايران والمقاومة، كما جرى خلال الثورة المصرية عندما حاول النظام المصري السابق، التقاط تصريحات مرشد الثورة السيد علي الخامنئي الذي اعتبر حينها ان ثورة الشعب المصري سوف تأتي بنظام اسلامي، ليحاول هذا النظام ان يُفقد الانتفاضة الشعبية زخمها عبر الايحاء بتدخل «فارسي مذهبي» في شؤون مصر الداخلية!
على هذه القاعدة، قارب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله ما يجري من حراك في العالم العربي، على قاعدة احترام خصوصيات البلدان العربية، وضرورة تعزيز دور الشعوب العربية والاسلامية، انسجاما مع مضمون الوثيقة السياسية الثانية التي اعلن عنها «حزب الله» في تشرين الثاني العام 2009، التي نصت على اهمية «البحث عن المشتركات لتعزيزها وتوفير فرص التواصل البنّاء على مستوى الحكومات والشعوب، لتحقيق أوسع إطار تضامني يخدم قضايانا». اذ ان «حزب الله» يرى ان الاولوية، سواء في نزاعاته الداخلية في لبنان، او في مقاربته لعلاقاته الخارجية، تتمثل على الدوام في حفظ خيار المقاومة الذي يمثل «حاجة جوهرية وعاملا موضوعياً لتصليب الموقف العربي وإضعاف العدو».

على ان المسالة الاهم لحماية المقاومة تتمثل في تجنب الإثارات المذهبية بين السنّة والشيعة. من هنا، فان مقاربة السيد نصر الله حاذرت اعطاء أي تفسير مذهبي لموقف الحزب الذي بدا منذ اللحظة الأولى حاسما بالانحياز الى الشعوب في مصر كما تونس وليبيا والبحرين واليمن…

وعشية اطلالة الأمين العام للحزب، يقارب مسؤول ملف العلاقات العربية في الحزب الشيخ حسن عز الدين، الحراك الثوري العربي بكثير من الارتياح، اذ ان ما يحصل قد احدث زلزالا هائلا، ويعد نقطة تحول بالغة الاهمية في التاريخ العربي منذ مرحلة الاستقلال حين ترسخت تلك الانظمة العربية بمساعدة المستعمر الاجنبي، عبر التسلط على حساب شعوبها خدمة للاجنبي، كما على حساب القضية الاهم، أي الصراع العربي – الاسرائيلي.
يستعرض عز الدين المرحلة الماضية الممتدة لعشرات السنين، ليخلص الى ان فترة السنوات الماضية، وخاصة مع تحرير المقاومة معظم الاراضي اللبنانية، واطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وضعت حدا للتراجع العربي الرسمي، وفتحت، بحسب عز الدين، الباب واسعا امام هذا الحراك الثوري الذي اتخذ من انتصار المقاومة مثالا على امكانية وعي ثقافة الانتصار مهما كانت الصعوبات.

على ان ثمة عوامل عدة بالنسبة الى «حزب الله» تجمعت لهذا الانتصار، اهمها ذلك التراكم النضالي التاريخي عبر عشرات السنين لتلك الشعوب، برغم عدم نجاحها في الماضي في كسر طوق انظمتها، اضافة الى القمع الامني وغياب الحريات السياسية والعملية الديموقراطية والتراكمات الاجتماعية والاقتصادية. كل تلك العوامل حضّرت المناخ الملائم بالنسبة الى تلك الشعوب لتفجير ثوراتها التي لن تقتصر على مكان وزمان، وهي ستتعدى الانتصار في مصر وتونس، لتشمل انظمة اخرى عدة، مع العلم بأن ثورتي تونس ومصر تواجهان تحديات كبيرة في مرحلة ما بعد الثورة الشعبية لترسيخ الانتصار واقتلاع نظامين ماضيين ترسخا خلال مرحلة طويلة، واجراء الاصلاحات الضرورية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
الثوار وإيران: أي علاقة؟
ثمة سؤال يبرز الى الواجهة يبدو اكثر الحاحا في الفترة المقبلة: أي دور منتظر لايران في العالم العربي؟ هل سيختلف عن سابقه، ام ان انتصار الثورات سيؤدي الى تراجعه؟
تشير اوساط مراقبة للموقف الايراني، الى ان رياح الثورة على الانظمة، التي لم تشمل ايران، ستدفع بموقع طهران، المتقدم اصلا في المنطقة على حساب «محور الاعتدال»، الى تعزيز صدارته. وتقول ان محور المقاومة في المنطقة، وعلى رأسه طهران، يشعر بارتياح عام تجاه الحراك الثوري العربي، الذي سيأتي بنتيجتين، كلتاهما لصالح هذا المحور: فإما ان الثورات العربية ستجلب انظمة مختلفة عن شاكلة «دول الاعتدال» الحالية، ما يعني بالتالي انها ستكون اقل سوءا من سابقتها على الصعد كافة، وإما ان هذه الانظمة الجديدة ستحصل على شرعية شعبية مستعيدة الدور والموقع، الهوية والانتماء، ما يعني حكما الاستجابة لنبض شعوبها التي تستلهم روح المقاومة والعداء لاسرائيل، وفي كلتا الحالتين فإن الامر سيأتي لصالح محور المقاومة والممانعة في المنطقة واكثر قربا منها.
من هنا، فإن موقع طهران سيتعزز في المنطقة، وذلك سيأتي في اطار محور اقليمي مختلف عن السابق، سيضم دول تلك الشعوب المتحررة، ليشكل طوقا، ولو سياسيا، على اسرائيل، ورئة اضافية لحركات المقاومة، خاصة في قطاع غزة، في الوقت الذي يستمر فيه تراجع المحور الاميركي ودور منظومة «الاعتدال» العربية، في ظل التورط المستمر لواشنطن في العراق وافغانستان وباكستان، وانكسار مشروعها في لبنان ناهيك عن فلسطين. والخلاصة واضحة، «تصاعد في الحراك الشعبي العربي، وتراجع رسمي للانظمة».
وهنا، تقول اوساط متابعة ان التدخل العسكري الخليجي في البحرين، لن يساهم سوى في تصعيد التوتر المذهبي في المنطقة. وبينما تجهد المقاومة لنزع السمة المذهبية عن الصراع في لبنان على سبيل المثال، يأتي هذا التدخل في البحرين ليحاول اعادة عقارب الساعة الى الوراء، لكن الخشية كل الخشية هي الغرق في الوحل البحريني، تماما كما حصل قبلها في اليمن حيث مني الجيش السعودي بهزيمة عسكرية امام الحوثيين دفعت بالرياض الى الانسحاب سريعا.

تقدم المقاومة
لكن، كيف سيتمظهر هذا الحراك على صعيد الصراع مع اسرائيل؟
يجيب الشيخ حسن عز الدين عن السؤال بالتأكيد ان المرحلة المقبلة ستشهد صعود وثبات خيار المقاومة في ظل انكسار متزايد للمشروع الاسرائيلي الذي يعكس بجانب منه ايضا تراجع المشروع الاميركي. ذلك ان المتغيرات العربية ستدفع الى محاصرة الدولة العبرية سياسيا، بينما بات خيار الحرب الإسرائيلية غير مطروح على الإطلاق، سواء في غزة التي لم تعد محاصرة اليوم، او في لبنان في الوقت الذي تتزايد فيه جهوزية المقاومة وقدرتها على المواجهة، بينما يتعزز عمقها اللبناني في الداخل يوما تلو الآخر مع تشكيل حكومة جديدة من المنتظر ان يخرج بيانها الوزاري واضحا بالتأسيس على معادلة الجيش والشعب والمقاومة.

على أن أوساطا مراقبة تحذر، في المقابل، من محاولة استيعاب أميركية للثورات العربية واستثمارها، لا بل ان البعض يذهب باتجاه إطلاق تحذير اكبر من امكان قيام الولايات المتحدة بتحوير الواقع العربي الجديد في سبيل وضعه بمواجهة محور المقاومة في المنطقة على أساس مذهبي، واستعادة سيناريو الثمانينيات عندما قامت واشنطن بدعم الحركات الإسلامية السنية بوجه «الخطر السوفياتي الإلحادي»، ليصبح على عاتق القوى السلفية التكفيرية اليوم مواجهة «المد الرافضي الشيعي»، وكل ذلك في سبيل تقويض النظام الايراني الذي يبقى الاستهداف الأهم لواشنطن!

السابق
القذافي بين الانتصار والهزيمة
التالي
سينغ: الونيفيل جاهزة للمساعدة تقنياً وإدارياً لترسيم الحدود المائية