فرصة التدخل

ما دام انه لا يمكن إسقاط العقيد معمر القذافي في انتخابات ولا يمكن إقناع أحد من أبنائه الأشاوس بالاحتكام لصناديق الاقتراع، فإن التدخل الدولي هو الأمل الوحيد للشعب الليبي المهدد بالإبادة الجماعية، وكل ما عدا ذلك تشويه وتحريف لقضية إنسانية وأخلاقية تتقدم الآن بالذات على أي اعتبار سياسي مهما كانت شرعيته الوطنية أو القومية أو الإسلامية، التي لا يعترف بها المواطن الليبي الذي يطلق الآن صرخات الاستغاثة.
وما دام انه لم يعد بالإمكان كبح جماح القذافي وأسرته، التي تزداد شراسة يوما بعد يوم، فإن الرجاء الوحيد للشعب الليبي هو ان ينفذ قرار مجلس الامن الدولي الأخير بسرعة ودقة متناهية، لا تحتمل أي خطأ ولا أي تعديل، بحيث تكون نهاية رحلة العذاب الليبية خاطفة، من دون أن تدع مجالا للعقيد كي يفاوض أو يساوم، على غرار ما فعل في تجارب عديدة سابقة خرج منها منتصراً، بفضل المساعدة التي تلقاها من رموز في المجتمع الدولي كانوا أحط منه.وأي خلل في التنفيذ، أو أي تردد يوحي للعقيد وأسرته بأن المجتمع الدولي لا يريد تغيير النظام، بل تغيير سلوكه وتحسين صورته لاحقا، يمكن أن يؤدي الى كارثة أكبر وأسوأ، أهم عناصرها تقسيم ليبيا وإقامة خطوط تماس بين مناطقها ومدنها وفئات شعبها تقود الى حرب أهلية يمكن ان تكون واحدة من أطول الحروب الاهلية في افريقيا بل في العالم كله، خصوصا أن آبار النفط ومرافقه ومرافئه تقع على تلك الخطوط الفاصلة حاليا بين الشرق والغرب.

أما الاكتفاء بفرض الحظر الجوي من أجل توفير الحماية للمدنيين الليبيين، فإنه سيكون بمثابة مزحة يمكن ان يتعايش معها العقيد وأبناؤه وكتائبه لسنوات عديدة، بالاستناد الى خبرتهم الطويلة في هذا المجال بالتحديد، والتي امتدت منذ منتصف الثمانينيات وحتى اواخر التسعينيات، حيث لم تكن هناك طائرة تعبر المجال الجوي الليبي..عدا طائرات شركات النفط والبناء الاميركية والاوروبية، قبل ان يفك الحصار بمبلغ زاد على 15 مليار دولار.

هذا هو الخطر الوحيد للقرار الدولي بالتدخل في ليبيا: ان يتخاذل الغرب أو أن يضعف مرة اخرى أمام المال، أو أن ينقسم حول جدوى تلك الخطوة الأخلاقية، مستعيدا تجارب أخرى في التدخل في العالمين والعربي والاسلامي، كانت ولا تزال ضارية لأنها كانت ثأرية، لكنها كانت ولا تزال تحظى بتأييد غالبية أفغانية وعراقية واضحة، لا يمكن إنكارها أو إخفاؤها خلف أي قناع وطني أو قومي أو إسلامي، خصوصا أنها لا تؤسس لاستعمار جديد، أو لسيطرة إضافية على النفط العربي حسبما تقول كلمات الاغنية الرائجة دائما.
ا
لفشل وارد لأنها هذه المرة تجربة أوروبية، يفترض، حسب تحذير الرئيس الاميركي باراك أوباما، ألا تكرر سابقة البوسنة ورواندا، اللتين كانت مذابحهما المروعة مسؤولية الاوروبيين وحدهم. لكن الفرصة ثمينة وقد لا تتكرر للشعب الليبي الذي يرجى ان يتمكن من التمتع بالغطاء الجوي وان يصبح قادرا على إنهاء المهمة بنفسه، من دون التعرض لأدنى خطر من كتائب القذافي أو من الغربيين الذين يمكن ان يبيعوها في أي لحظة.

السابق
رحمة: الراعي أثنى على الحوار المباشر مع حزب الله من دون وسطاء ومن العقل إلى العقل
التالي
سحب الدخان تغطي الهلالية بعد إحراق المكبات