القذافي بين الانتصار والهزيمة

إلى قبل عشرة أيام، كنا نظن أن معمر القذافي قضي عليه، وأصبح من التاريخ، وأن العاصمة طرابلس باتت على وشك الوقوع في قبضة الثوار بعد أن استولوا على بلدة الزاوية التي لا تبعد سوى خمسين كيلومترا عنها. اليوم العكس هو الصحيح، فقوات القذافي يبدو أنها استعادت كثيرا من المناطق، وباشرت بقصف عاصمة الثورة بنغازي، واضطر مجلس الأمن الدولي إلى الاستعجال والسهر ليلتين متتاليتين لإصدار قرار حاسم. ورغم عمق الخلافات بين الدول الأعضاء حول الحظر الجوي فإن المسودة الأخيرة للقرار حظيت بقبول الأغلبية وصارت ليبيا مثل أفغانستان ساحة حرب دولية تستهدف إسقاط نظامها بالقوة.
ورغم أن قوات القذافي منتصرة وتتفوق على قوات الثوار البسيطة التسليح في مناطق كثيرة، فإنها نفسها أصبحت في مرمى القوات الدولية الأفضل تسليحا والتي تملك تشريعا دوليا باستهدافها تحت البند السابع وليس فقط فرض الحظر الجوي كما كان يعتقد في البداية.
ولا بد أن العقيد في قمة السعادة، بعد أن كان الخيار قبل أيام بين منحه اللجوء المشروط ومحاكمته وإعدامه. وقد تغري القذافي انتصاراته الميدانية، بدليل التصريحات من عاصمته التي تقول إنه ينوي دخول بنغازي المتمردة عليه سلما أو حربا، وإن الأمان ممنوح فقط لمن يغادر المدينة المكتظة بمليون ونصف المليون إنسان.
المشهد خلال الأيام المقبلة، وربما الأسابيع والأشهر اللاحقة، ينبئ بحرب أكبر من حرب الأيام الماضية، إلا إذا اختار العقيد طريق المفاوضات مع خصومه، وجنب بلاده ويلات الدمار المحتمل، وجنب نظامه المغامرة الخطرة. نحن نفترض أيضا أن القذافي يملك قدرات كبيرة ستمكنه من الزحف والسيطرة الشاملة، والأموال النقدية الهائلة التي لا تزال في بنوكه الحكومية في ليبيا وتقدر ببضعة مليارات الدولارات، التي تجعله في غير حاجة إلى الأموال التي تم تجميدها في أنحاء العالم، وطبعا لا ننسى إصراره على القتال منذ اليوم الأول، على اعتبار أنها مسألة حياة أو موت بالنسبة له وعائلته ونظامه. انتصاره سيجعله في مواجهة العالم، وسيزيد من الدعوات الدولية إلى توسيع دائرة القتال.
ولا ندري ما هو الحل الممكن في هذه الأزمة التي تزداد خطورة ومأساوية، خطرها يتضاعف بوجود دول كبرى مثل فرنسا وحليفاتها ستنخرط في القتال بكامل قوتها، والحرب ستزيد وضع الإنسان الليبي عرضة للإبادة على الأرض.
وما لم يتخذ العقيد موقفا سياسيا مرنا يسمح بحل سياسي شامل يرضي الثوار، فإنه قد يجد نفسه في الموقف الصعب؛ حيث لا يفيد التفاوض، فهو رغم تحسن قيادة قواته بشكل كبير، التي قلبت المعادلة، فإنه يدرك أن أي انتصار عسكري يحققه سيكون مجرد انتصار في معركة ولن يكسب الحرب كلها، ففي ليبيا معارضة شعبية حقيقية ولن يكون سهلا إطفاؤها.
وهذه المعارضة التي ثارت لن تعود إلى بيوتها. وبوجود دعم دولي وشرعية دولية تحميها، فإن انتصار القذافي – إن حدث – سيكون مؤقتا. العامل الخارجي في حسم النزاع الليبي هو الأهم، وهذا ما لا يفهمه كثيرا القذافي الذي يعتقد أن الحصار القديم عليه في التسعينات فشل، وأن الحرب الدولية في أفغانستان اليوم أيضا عاجزة عن النصر، وأن المزاج الشعبي الأميركي أصبح ضد أي مشاركة عسكرية مهما كانت الأسباب. كل هذا صحيح، لكن نظام طرابلس له عداوات كثيرة في أنحاء العالم، ولن يكون سهلا عليه مواجهتها والانتصار عليها.

السابق
هل ستدخل بلديات النبطية عصر المكننة؟
التالي
كيف يقارب “حزب الله” الواقع الثوري العربي؟