التدخل الســوري عند موقـع “التوقف الموقـت”

يتسم المأزق السياسي الذي يواجهه لبنان راهنا في ظل عدم القدرة على تأليف الحكومة على رغم انها ستضم فريقاً سياسياً واحداً، بأنه مأزق من طبيعة نادرة يتمثل في عدم تدخل سوريا في موضوع تأليف الحكومة والنأي بنفسها عن التوسط من اجل المونة او الضغط على هذا الحليف او ذاك وكلهم من حلفائها. اذ ان لبنان عانى دوما من التدخل السوري في شؤونه في زمن الوصاية وحتى بعد غيابها في الاعوام الخمسة الماضية. الا ان دمشق رفضت قبل ايام الاستجابة لطلب حلفاء لها التدخل لدى حلفاء آخرين من اجل تسهيل ولادة الحكومة. اذ انها وعلى ذمة المعلومات التي يتداولها مطلعون تفضل ان يتدبر هؤلاء الافرقاء امورهم بانفسهم باعتبار ان دمشق لم تكن مسؤولة عن اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري بل ان هذه العملية تمت برغبة وإرادة الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وان سوريا، ودوما على ذمة هذه المصادر ، كانت تفضل استمرار وجود الحريري في رئاسة الحكومة لان بقاءه فيها يلزمه ويقيده في حين ان خروجه منها يحرره من كل التزاماته.

ولهذه المعطيات جوانب اساسية عدة من حيث المفاعيل. وأبرز هذه الجوانب ان قوى 8 آذار تعبر عن عجزها، وهي فريق واحد متوافق على العناوين نفسها، نتيجة عامل ظاهري معلن هو الطلبات المبالغ فيها التي يرفعها رئيس التيار العوني العماد ميشال عون من اجل المشاركة في الحكومة والتي تتخطى قدرة الرئيس المكلف على تلبيتها خصوصا في ظل محاولة مقصودة او غير مقصودة لإضعافه ضمن طائفته، بين اعتبار العماد عون ان الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو "فقيد العائلة" وليس "شهيد الوطن" والوصف الذي اطلقه احد حلفاء "حزب الله" وسوريا في موضوع المرأة المسلمة المحجبة بحيث ان الامرين المتتاليين يصيبان الطائفة السنية في العمق في حين يواجه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تحديا كبيرا ضمن هذه الطائفة عموما وفي طرابلس خصوصا، الامر الذي لا يساعده ابدا على تقديم اي تنازل من اي نوع في عملية تأليف الحكومة علما انه في تمسكه بصلاحياته وبعض الضوابط في تلبية طموحات الافرقاء السياسيين الذين سيشاركون في الحكومة يبدو في موقع مشابه لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي ناله ولا يزال من الحملات ما لا قبل له بالتهاون في شأنه علما ان كثرا يرون انه لا يردّ في الشكل المناسب على ما يطاوله من حملات. اذ بحسب هؤلاء ان حصته ليست بوزيرين او ثلاثة او بنوعية الحقائب بل انها تكمن في مسؤوليته عن ابداء الراي في اي اسم يطرح للحكومة بإعتباره مسؤولا بحسب الدستور على المحافظة على البلد ويحتفظ بصلاحية الموافقة او عدم الموافقة على اي اسم لا يراه مناسبا لان يكون في الحكومة.
 

وبحسب ما يفيد اصحاب هذه المعطيات، فان افرقاء قوى 8 آذار يعلمون جيدا ان العقدة العونية هي التي تعرقل التوافق في موضوع الحكومة. الا ان احدا لا يبدي استعدادا للدخول في خلاف مع العماد عون ما دام الحزب لا يتدخل على نحو مباشر معه من اجل تليين طلباته نتيجة التغطية التي يؤمنها له رئيس التيار العوني على اكثر من صعيد داخلي وخارجي ولذلك يكتفي بالاستعانة بحلفاء آخرين للتوسط معه لكن هؤلاء لم ينجحوا. ورئيس مجلس النواب نبيه بري لا يتدخل من جهته بمحاولة تليين طلبات عون ما دام الحزب لا يفعل، علما انه سبق ان حصل اصطدام بينهما ابان الانتخابات في جزين ولذلك لا ينوي الدخول في معمعة هذا الموضوع. ولذلك تمت الاستعانة بسوريا بحيث تبدو هذه الاستعانة بمثابة اعادة ادخال دمشق من الباب العريض في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية، ولو انها ليست بعيدة عنها في الواقع، بحيث انها تظهر العامل المنقذ حتى لحلفائها من ازمتهم في تأليف الحكومة. وليس بعيدا من ازمة الحلفاء تبرز اقتراحات من نوع امكان اندفاع الرئيس المكلف في تأليف حكومة تحظى بتوافق مع الرئيس سليمان والرئيس بري والنائب وليد جنبلاط و"حزب الله" ضمنا بحيث تكون حكومة امر واقع يضطر على اثرها العماد عون للقبول بها. الا ان هذه الفكرة سقطت ايضا كما سائر الافكار الاخرى نتيجة غياب موافقة او تغطية سورية لمثل هذا الاقتراح باعتبار انه لو وجد لكان في الامكان السير قدما فيه.

من جوانب هذه المعطيات ايضا التي تتمظهر في واقع ان لا قوى 14 آذار كاكثرية في حكومة تصريف الاعمال لا تزال تحكم ولا قوى 8 آذار باكثرية في حكومة تستعد لتأليفها قادرة على السير قدما ان دمشق تجري حوارا مع الولايات المتحدة الاميركية كان آخر فصوله لقاءات عقدت الاسبوع الماضي. ويبدو وفق المعلومات لدى المصادر المعنية ان سوريا تخوض في "بازار" واضح مع الديبلوماسية الاميركية حول موضوع الحكومة اللبنانية ولذلك فان موضوع التدخل السوري في موضوع الحكومة هو في موقع التوقف الموقت حتى إشعار آخر. الامرالذي يمكن ان يعزز دور سوريا من جهة من حيث ان الازمة مستمرة في المراوحة ولن تتدخل او لن تبيع تدخلها الا بثمن معين في الوقت الذي تنأى بنفسها عن الاتهام بالتدخل كما كان يأخذ عليها اللبنانيون او قسم كبير منهم والخارج. ولهذه الامور اوجه اخرى كثيرة غير واضحة كليا في معمعة التطورات المتسارعة في المنطقة ودوران الامور في لبنان في حلقة مفرغة.

السابق
نشاطات وزير الداخلية
التالي
الاحترام هو الأساس