البحرين..أو التهديد الذي شعرت به كل دولة خليجية!

لم يكن امام دول مجلس التعاون الخليجي، واسمه الرسمي، مراعاة للحساسية الايرانية، مجلس التعاون لدول الخليجية العربية، من خيار آخر غير السعي الى احتواء الوضع في البحرين استنادا الى الاتفاق الموقع بين الدول الست. عمر هذا الاتفاق، وهو اقرب الى معاهدة دفاع اكثر من اي شيء آخر، 30 عاما بالتمام والكمال وذلك عندما تأسس المجلس في ابوظبي في مايو من العام 1981. جاء التدخل بشكل ارسال قوات خليجية الى المنامة لفض الاعتصام في دوار اللؤلؤة. لم يكن من هدف لذلك الاعتصام ذي الطابع المذهبي سوى هدف واحد يتمثل في اسقاط النظام في البحرين من جهة واثارة الغرائز المذهبية من جهة اخرى. كان ذلك سيؤدي بكل بساطة الى تهديد الامن والاستقرار في كل دولة من الدول الست وايجاد راس جسر لايران في قلب مجلس التعاون وعلى الحدود مع المملكة العربية السعودية. يمكن القول ان راس الجسر الايراني في البحرين يشكل استكمالا لراس الجسر الذي اقامته ايران في اليمن عبر الدعم الذي قدمته للحوثيين في شمال الشمال اليمني، في محافظة صعدة والمناطق المحيطة بها. استند هذا الدعم الى العامل المذهبي الذي استغله النظام الايراني افضل استغلال لايجاد موطئ قدم في منطقة اخرى محاذية للسعودية.

لم تكن السعودية وحدها مهددة. كل دولة من دول مجلس التعاون كانت معنية بما يجري في البحرين واصرار المعتصمين على تعطيل الحياة في الجزيرة ومتابعة التصعيد، من منطلق مذهبي، لمنع التوصل الى اي صيغة تضمن تحقيق سلسلة من الاصلاحات الضرورية عبر الحوار. كان واضحا ان ما يجري في البحرين مرتبط باجندة واضحة تستهدف جس نبض دول مجلس التعاون عموما ومعرفة مدى عمق الخلافات بين الدول الاعضاء على وجه الخصوص. الاهمّ من ذلك، كان مطلوبا معرفة هل لا يزال هناك قرار خليجي موحّد ام لا؟ هل لا تزال هناك قدرة على اتخاذ مثل هذا القرار في الظروف الراهنة، خصوصا في ظلّ الوضع القائم في السعودية؟
من المفيد ملاحظة ان الخلافات بين دول مجلس التعاون بقيت في حدود معينة وان الجميع يدركون ان الدول الست في مركب واحد وانه لا يمكن لاي دولة من الدول الست الاستفادة من اي شرخ بينها وبين اي دولة اخرى. على سبيل المثال وليس الحصر، امكن طي صفحة ما كان يسمى الخلاف بين سلطنة عُمان ودولة الامارات العربية المتحدة بعدما تبين ان في اساس هذا الخلاف معلومات مغلوطة وفرتها طهران لمسقط. وقد امتلك السلطان قابوس ما يكفي من الجرأة لاتخاذ الاجراءات المناسبة التي تؤدي الى تجاوز الخلاف مع الامارات اثر الوساطة الناجحة لامير الكويت الشيخ صُباح الاحمد.

ليس سرّا ان ترك الامور تفلت في البحرين كان يمكن ان تكون له عواقب وخيمة على الوضع الاقليمي وليس على دول مجلس التعاون وحدها. فالتدهور في البحرين الذي لم يوقفه الحوار الذي قاده ولي العهد الامير سلمان بن حمد مع كل الفئات المعنية بالاصلاحات، تحول للاسف الشديد الى نزاع مذهبي مكشوف بدا وكانه امتداد مباشر للحال العراقية حيث انفلتت الغرائز منذ ثماني سنوات وحيث اصبحت ايران صاحبة الكلمة الاولى والاخيرة في البلد. لم يعد في الامكان تشكيل حكومة عراقية من دون ضوء اخضر ايراني. في الاساس، كان الخلل في التوازن الذي نشأ بعد الاجتياح الاميركي للعراق وراء كل ما تتعرض له المنطقة من هزات. حصل زلزال في العراق. لا تزال تأثيرات هذا الزلزال تتفاعل، خصوصا بعدما تبيّن ان ايران كانت المنتصر الاوّل والوحيد في الحرب التي شنتها ادارة بوش الابن بهدف التخلص من نظام عائلي- بعثي لعب دورا اساسيا في القضاء على النسيج الاجتماعي في العراق.
لم يكن في استطاعة دول مجلس التعاون ترك الوضع في البحرين يتدهور. لم يكن مسموحا انتظار كل هذا الوقت للاقدام على خطوة حاسمة في اتجاه لملمة الوضع في المملكة الصغيرة التي استقلت في العام 1971 والتي رفض شعبها في حينه الانضمام الى ايران. نعم، كان هناك تقصير خليجي تجاه البحرين التي لا تمتلك سوى موارد محدودة والتي نضب معظم نفطها باكرا. ولكن ما لابدّ من الاعتراف به في الوقت نفسه، ان الاصلاحات تأخرت في البحرين وانه لم يكن جائزا الرد على الهجمة الايرانية بعملية تجنيس لمجموعات عربية وغير عربية بطريقة غير مدروسة. كذلك، لم يكن طبيعيا ان تترك البحرين نفسها مكشوفة اعلاميا ولا ان يبقى رئيس الحكومة فيها في الموقع ذاته اربعين عاما… وان تتصرف الحكومة في السنة 2011 بالطريقة التي كانت تتصرف بها في السبعينات من القرن الماضي.

كانت هناك ولا تزال هجمة ايرانية على البحرين. كانت هذه الهجمة من الاسباب التي دفعت المغرب، حيث يوجد ملك معروف بجرأته وبعد نظره، الى قطع علاقته بايران قبل ما يزيد على سنة. كان يفترض بدول مجلس التعاون التقاط تلك الاشارة المغربية للبحث جديا في كيفية منع التدهور في البحرين باكرا. الآن وقد حدث ما حدث، تبدو الحاجة اكثر من اي وقت للنظر الى البحرين من زاوية واسعة مرتبطة بالوضع الاقليمي الذي يعاني من خلل كبير من دون تجاهل المشاكل الخاصة بالبحرين نفسها. ولكن يبقى سؤال: ما الذي ستفعله ايران؟ هل اكتشفت حديثا ان مجلس التعاون لا يزال وحدة متماسكة فتتراجع وتحاول جس نبضه من مكان آخر، ام تتابع حملتها عليه بهدف خلخلته عن طريق البحرين؟ الكثير سيتوقف على مدى جدية دول مجلس التعاون في لملمة الوضع في هذا البلد من دون تجاهل ان هناك مشاكل داخلية فيه وان مكمن العلة ليس في ايران وحدها.

السابق
السعودية تقاطع الصفدي
التالي
“النهار”: مهرجان الحريري شكل رسالة سياسية الى ميقاتي