لولا المقاومة..

يقولون لولا المقاومة الاسلامية، لما قام مقام في لبنان، أو تكرّست حريات أو تكرمت كرامات أو صيغت دساتير أو سُّنت قوانين. ولولاها ربما لما كان لبنان قبل ستة آلاف سنة وربما لا يكون بعد ستة آلاف سنة. يقولون، لولا المقاومة الاسلامية لما عرف لبنان قبابا أو سَجّل غلبة او علامة فارقة، ولولاها ربما لم يعرف سبيلا إلى التاريخ ولم يَستوِ كبيرا في الذاكرة. يقولون، لولا المقاومة الاسلامية لما حلّ أمان في لبنان وما شُرّعَت أبواب ونوافذ. ولولاها ربما، لولا بعض التواضع، لما "زحَف" سيّاح صوب لبنان وما عاد مهاجرون، وما تذخر اقتصاد وانتفخت بطون. ولولاها ربما لا تقرع الاجراس إلا في حِماها، ولا تطلّ الأعياد إلا وفق تباشير تطلع من مجالسها. يقولون، وقد فاتهم، أن هذه المقاومة تفرّجت على الوصاية وهي تصادر لبنان كله، وتبتَزّ أهله وحكامه وتضطهد نصف شعبه، وإن هذه المقاومة بالذات تمسّكت بها كما تتمسك بسلاحها، فلا راعها طغيان ولا أغضبها انتهاك أو خرق او استباحة او فلتان. وقد فات هؤلاء ان الاحتلال هو احتلال، لا دين له ولا هوية. فلا يكون إسرائيليا فنضربه، ولا يكون سوريّا فنشرّعه، ولا يكون ايرانيا فنبايعه، ولا يكون اميركيا فنرفضه. والاحتلال هو احتلال، فلا يكون شرعيا في الجزر الإماراتية الثلاث، ويكون انتهاكا في البحرين. والثورة هي ثورة، فلا تكون حقا في ليبيا، وباطلا في ايران. ولا تكون حاجة في القاهرة ولعنة في دمشق. والمأساة هي مأساة، فلا يكون رفيق الحريري "فقيد العائلة" ويكون سواه "جرح لبنان". والشهيد هو شهيد، فلا يكون لدى المقاومة بطلا، ويكون لدى الآخرين عميلا. وقد فات هؤلاء، أن السلاح هو سلاح، فلا يمكن ان يكون حريرا في مكان وحديدا في آخر. ولا يمكن ان يكون في أزقّة بيروت، كما هو تماما في أنفاق الجنوب. ولا يمكن ان يكون مستنفرا وظاهرا في الشوارع، ومطويّا وساكنا على الجبهات. أو يكون فاضحا يخرق "الدوحة"، ومُستترا يحترم الهدنة مع اسرئيل. وقد فات هؤلاء، أن المقاومة تقوم في غياب الجيوش، ولا تتعايش معها… هذا ما شهدناه في اوروبا الغارقة تحت الاحتلال الألماني في اربعينيات القرن الماضي، وهذا ما نشهده في العراق وأفغانستان وغزة منذ عشر سنوات… وإذا كان عكس ذلك صحيحا، فلماذا لم تنصهر المقاومة المسيحية مع الجيش؟!، فكانت حرب "الإلغاء". وقد فات هؤلاء ان المقاومة الاسلامية نفسها هي التي تجعل الجيش شاهد زور، وهي التي تمنع تسليحه وتأهيله وتحظّر عليه دورا طليعيا، لا يشاركه أحدٌ لا في قراره ولا في مكانه، ولا يحدد له احد الخطوط الحمر وهويّة الأعداء وميادين القتال. وقد فات هؤلاء، أخيرا، ان المعتقل في السجون السورية هو عزيز، تماما كما هو سمير القنطار في السجون الاسرائيلية. وان الحدود هي حدود، سواء كانت بين لبنان وفلسطين او بين لبنان وسوريا. والسؤال يبقى: إذا كان النزول الى ساحة الشهداء في الثالث عشر من آذار جاء بفضل إنجازات المقاومة الاسلامية، فبفضل أيّ انجازات كان النزول الى الساحة نفسها في الرابع عشر من آذار قبل ست سنوات؟ عندما نتفق على ان اضطهاد نصف اللبنانيين لم يكن زبيبا، وأن اضطهاد النصف الآخر لم يكن عقابا، نقتنع معا أنه لولا المقاومة الاسلامية لجعلت اسرائيل من لبنان جولانا آخر، ولولا المقاومة المسيحية لاستقرّت فلسطين في لبنان واستوطنت سوريا في وادي قنوبين.

السابق
قنبلة وهاب
التالي
الخليج العربي والمشروع الفارسي مواجهة لا بدّ منها!