براغماتية الراعي والعلاقة مع “حزب الله”

«ربيع بكركي»: تصحيح العلاقة مع دمشق.. وعون وفرنجية
براغماتية الراعي تمهد لصفحة جديدة مع «حزب الله»
للوهلة الاولى، أوحى انتخاب المطران بشارة الراعي بطريركا للموارنة بأنه يصب في مصلحة فريق 14 آذار، على حساب قوى الاكثرية الجديدة، لكن الإشارات التي أطلقها الراعي بعد وصوله الى سدة البطريركية، معطوفة على طريقة تعامل الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية ولاحقا «حزب الله» مع انتخابه، دفعت نحو اعادة نظر بالقراءات والأحكام المسبقة، من دون ان يعني ذلك المبالغة في التوقعات والتوهم ان عباءة الراعي ستغطي خيارات هؤلاء وسياساتهم.
يدرك رموز الاكثرية الجديدة ان قناعاتهم تختلف في أكثر من ملف حساس عن الطروحات المعروفة للبطريرك الجديد، إلا ان ذلك لا يدفعهم الى تصنيفه في خانة «القوات اللبنانية» او الكتائب او ما شابه، بل هم يستعيدون محطات تُبين حرصه منذ ان كان مطرانا على عدم الذوبان في وعاء أي من القوى الاساسية الموجودة على الساحة المسيحية، ويروون كيف انه عارض على سبيل المثال ان تترعرع «قرنة شهوان» في أحضان الكنيسة المارونية وأن يتولى أحد المطارنة ترؤس اجتماعاتها في الكثير من الاحيان، كما يستشهدون بطريقة إدارته للمركز الكاثوليكي للاعلام للدلالة على تقبله للتنوع وتفاعله معه، إذ كان يصر على مشاركة كل التلاوين السياسية المسيحية في أنشطة المركز وندواته.
ويًُعرف عن الراعي أنه محاور ومستمع جيد، في موازاة احتفاظه بمواقف تبدو متشددة، والأهم من ذلك ان انفتاحه على الرأي الآخر ليس من باب المجاملة، بل إن النقاش قد يقوده الى تعديل موقف مسبق إذا اقتنع بوجهة النظر الاخرى، وهذا ما يميزه ـ حسب العارفين ـ عن سلفه البطريرك صفير الذي كان من شبه المستحيل إقناعه برأي مخالف.
وفي كل الحالات، فإن الأكثرية الجديدة تبدو متواضعة وواقعية في ما تريده من الراعي. هي لا تطالبه بتبني خياراتها السياسية، بل الوقوف على مسافة واحدة من أبناء الرعية وأن يغادر منطق الانحياز الى مسيحيي فريق 14 آذار ضد نصف المسيحيين على الاقل، كما كان سائدا في العهد البطريركي السابق. ولعل أحد القياديين في تيار بارز نجح في اختصار المعادلة بالقول: «لا نطمح الى ان يكون البطريرك الجديد معنا.. نريد فقط ألا يكون ضدنا».
ويعتقد مسيحيو الاكثرية الجديدة ان البطريركية المارونية دخلت في مرحلة جديدة ستختلف في مواصفاتها عن المرحلة الماضية، وأن شخصية الراعي الحوارية والمنفتحة تؤهله بالفعل الى ان يكون أكثر توازنا في السلوك، بما يعيد الى بكركي بريق دورها الأصلي كحاضن للجميع، تحت سقف التزامها بثوابت وطنية كبرى، من دون الاستغراق في تفاصيل ضيقة أو الانزلاق الى الاصطفاف في محاور داخلية.وهناك من يرى ان الراعي سيكون مهتما ببذل جهد إضافي لتأكيد «وسطية» الموقع لا المبادئ، مستعينا في ذلك بأسلوبه المرن وبقدرته على تدوير الزوايا الحادة، ومدفوعا برغبته في تغيير الانطباع الذي تكوّن لدى البعض حول دور بكركي خلال السنوات الاخيرة، لا سيما ان مسؤولياته كبطريرك يمثل كل الكنيسة المارونية تتطلب أداء متوازنا لم يكن يُلزمه به موقعه السابق كمطران يملك هوامش أوسع للتعبير عن «مزاجه الفردي».
ووفق العارفين، فإن الانفتاح المستجد الذي بدأت معالمه تظهر لا يتصل فقط بقرار شخصي لدى الراعي، بل هو ينسجم ايضا مع توجهات الفاتيكان الذي يواكب «ربيع بكركي»، بعدما أشرف على وضع «خريطة طريق» لإعادة تزخيم علاقتها بمسيحيي لبنان والمشرق، وتفعيل تواصلها مع الطوائف الاخرى ومع محيطها بعيدا عن التقوقع والانعزال، عملا بتوصيات ووصايا الارشاد الرسولي الصادر عن السينودوس من أجل لبنان والذي كان الراعي منسق أعماله.
وقد حملت مواقف الراعي في الايام الاولى التي تلت انتخابه بطريركا مؤشرات واضحة الى أن دماً جديداً بدأ يتدفق في عروق بكركي، ولعل اهم تلك المؤشرات تمثل في استقباله السفير السوري علي عبد الكريم علي بحرارة وإبداء استعداه لزيارة سوريا ولو تحت المظلة الراعوية، كما تردد في بكركي أن البطريرك الجديد في وارد الرد برسالة شكر للرئيس السوري بشار الأسد، ردا على التهنئة، في حين ان مجرد البحث في الامر لم يكن واردا عند البطريرك صفير، ما يعكس نمطا جديدا في التفكير والتصرف، سيقوم على المزج بين ثوابت بكركي التاريخية وبين براغماتية الراعي التي ستكون قادرة على فتح نوافذ ظلت مغلقة لعقود من الزمن.
ومن المتوقع ان تساهم هذه البراغماتية في إعادة ترميم علاقة بكركي مع «حزب الله» الذي لطالما نظر اليه الراعي باعتباره مكونا اساسيا من مكونات الوطن اللبناني، لا يمكن تجاهله. ولئن كان البطريرك الجديد ليس بطبيعة الحال من مؤيدي سلاح المقاومة، إلا ان الذين سبق لهم ان حاوروه حول هذه المسألة خرجوا بانطباع مفاده انه ليس ضد المقاومة بالمطلق إذا انتظم عملها ضمن شروط محددة.
وحسب المعلومات، فإن «حزب الله» سينتدب وفدا قياديا مركزيا قبل ظهر اليوم لتهنئة الراعي، وهو يرى ان الظرف ملائم الآن لفتح صفحة جديدة مع البطريركية المارونية وإعادة إحياء الحوار بين الجانبين ولو من موقع الاختلاف، خصوصا أن الحزب لمس ارتياحا لدى التيار الحر لاختيار الراعي بطريركا، وهذا معطى لا يستطيع تجاوزه، عدا عن ان هناك قناعة لدى الاكثرية الجديدة ومن ضمنها «حزب الله» بأهمية الانفتاح على الراعي والبقاء على تواصل معه، لان ذلك سيكون مؤثرا في صياغة توجهات بكركي، عدا عن ان مقاطعته لا تعني سوى دعوته الى الارتماء في أحضان.. سمير جعجع.

السابق
تحذير من معدلات أشعة عالية جداً ودعوة إلى إجلاء الناس عن طوكيو
التالي
رسالة من الرئيس الأسد للرئيس الإيراني تتعلق بتطورات المنطقة بما فيها البحرين نقلها المعلم