المذهبية ليست قدرا … للشيعة

لم يعد مقنعا إلقاء تبعة الاصطفاف المذهبي على السياسات الاميركية والغربية في المشرق العربي اوالخليج بضفتيه العربية والفارسية. فقد اظهرت الانظمة السياسية "المعتدلة" و"الممانعة" قدرة فائقة على استثمار هذا الاصطفاف للتحصن ضد شعوبها او ما يواجهها من تحديات او مخاطر خارجية. ولم تظهر المعارضات الناشئة او الراسخة في هذه الدول ميلا الى الخروج من هذا الاصطفاف في سبيل الانتقال الى مساحات مشتركة تنأى بها عن الانجرار نحو فخ تتحينه السلطات للانقضاض على اي دعوة للاصلاح الدستوري او السياسي.

في نموذج البحرين، ولبنان تاليا، ما يستدعي التوقف والنظر والتأمل. فقد تم ضرب ثورة البحرين بقوة، وبقبضة خليجية وصمت أميركي، وعبر سعي إيران الحثيث لممارسة أبوّة ما على الشيعة في الخليج والعالم العربي عموما، إلتقطت انظمة الخليج العربي فرصة الانقضاض على ثوار البحرين، بعدما استدرج جزء كبير من الحراك البحريني نحو الاصطفاف المذهبي من جهة، ومحاولة الاستقواء بإيران من جهة ثانية. وسقطت الثورة المشروعة في فخ المزايدات المذهبية، وأمّنت لخصومها ثغرة الاستقواء عليها.
لعل انكفاء محطة الجزيرة عن مواكبة ثورة البحرينيين، كما واكبت ثورات العرب، هو المعادل لتحوّل تلفزيون المنار وتلفزيون العالم الايراني إلى منبرين متخصصين بهذه الثورة. لم تحظ الثورة الليبية بالقدر نفسه من الاهتمام لديهما، ولا ثورة الياسمين او "ثورة 25 يناير". لم يقم حزب الله بأيّ تحرّك ميداني سلمي لمناصرة الليبيين كما حصل في اليومين الماضيين امام مقر الاسكوا في بيروت اعتراضا على القمع في البحرين. سقط مئات القتلى من الليبيين، بل الآلاف، برصاص كتائب القذافي وطائراتها، لكن لم نشهد هذه الحماسة والتعاطف الشديدين من قبل حزب الله.
من حق حزب الله ان يعترض ويعبّر عن شجبه للاستهانة بالشعب البحريني. لكنّ هذه الازدواجية هي احدى الاسلحة التي تستخدم اليوم في وجه الثوار البحرينيين، لأنها شكلت رافدا قويا لاضفاء البعد المذهبي الذي سيدفع أتباع المذهب الشيعي ثمنه في الخليج والمشرق العربي، وان جنت ايران ارباحه كما الانظمة العربية الهرمة.
المشاريع الخاصة ليست هي تلك التي ترفع شعارات مذهبية او فئوية فحسب، بل هي بالضرورة ايضا تلك العاجزة عن محاكاة وجدان الشعوب وتطلعاتها، بعيدا عن انتماءاتها المذهبية والطائفية. المقاومة الاسلامية في لبنان قامت على مواجهة الاحتلال الاسرائيلي من جهة، وعلى نبذ المقاومة الوطنية اللبنانية ونكران شهادة شهدائها من جهة أخرى.
"اللبنانية" و"الوطنية" كانتا تهمتان في ثقافة حزب المقاومة الاسلامية، وعاقب على أساسهما. ربما يقول قائل ان هذا كان منذ زمن بعيد وانتهى(!!) لكنّ المقاومة اليوم تدفع أثمان ما فعلته في ثمانينات القرن الماضي. حين صارت المقاومة شيعية فقط، تركت، واليوم عاد العالم، والداخل، ليعترض على ذلك، وها هو حزب الله يحاول، تارة عبر النائب ميشال عون، وطورا عبر قوات ومناصرين من طوائف أخرى، "إلصاق" صبغة "لبنانية" و"وطنية"، لضرورات تكتيكية على الأرجح، بعدما كان سلخهما عن المقاومة منذ أكثر من عشرين عاما.
استحضار هذا المثال لا يعود سببه إلى أنّه يعبر عن حالة استثنائية او هامشية طواها الزمان، إذ هناك الكثير من المعلومات والوقائع التي لا حاجة أو متّسع لعرضها في هذا السياق. الإستحضار غايته القول ان هذه المقاومة تبدو عاجزة عن تأدية مهمة مفترضة في خطاب الناطقين باسمها، اي حماية لبنان ونصرة الشعب الفلسطيني. وفي الحالتين ثمة نقاش يعيدنا مجددا الى الفخ المذهبي. فهذه المقاومة التي حققت انجازات عسكرية بدت عاجزة عن التأثير في مسار المقاومة داخل فلسطين، لا بل أثّرت في الشيعة العرب، لكن بوجه سلبي، إذ حاكت عصبيتهم الشيعية ليس اكثر… كما كان يحاكي هذه العصبية الانتقاص من حقوقهم كمواطنين في دولهم.
في المشهد اللبناني اليوم ثمة ما يمكن الاستناد عليه لاظهار عصبيات الطوائف وارتكاباتها خلال العقود المنصرمة. ثمة حقد يسري في النسيج اللبناني. حقد يصل الى حد الصمت المريب حيال الانتهاكات الجارية في البحرين، من قبل الكثيرين. حقد يجب عدم التعامي عنه. حقد ينتشر في المجتمع. حقد يتركز ضد الشيعة اكثر من غيرهم. حقد غير مبرر، تتلمسه لدى المصفقين للسيد حسن نصرالله من طوائف اخرى، بأكثر مما تسمعه من ألسنة خصومه. هذه نتيجة يجب التبصر بها في لبنان اولا. حزب الله الذي بات، كما ايران، هدفا لدى الدوائر الدولية، بات نموذجا سياسيا شيعيا جاذبا للمذهبية، اكثر من جاذبية المقاومة، كما تشير الوقائع اللبنانية والعربية اليوم.
المقاومة ليست سلاحا، انها نهضة وطنية قبل كل شيء. والمذهبية ليست قدرا، انها من صنع ايدينا وتتسلل الى ثقافتنا السياسية. المذهبية ليست قدرا، وليس قدرنا كشيعة أن ندفع ثمن "مغامرين" بمستقبلنا.

السابق
انتخابات تكميلية ل6 أعضاء في نقابة عمال بلدية صيدا
التالي
موشيه آرينز