هل لدمشق علاقة بـ “اختفاء” الإمام الصدر؟

بدأت الانتفاضات التي تجتاح الشرق الأوسط تُسقط بعض الأبواب المظلمة جداً – الأبواب التي تقود إلى الزنزانات والسجون حيث تقوم الأجهزة الأمنية العربية بعملها. في الإسكندرية والقاهرة، اقتحم المتظاهرون المصريون مكاتب أمن الدولة حيث اكتشفوا بعض الأشياء وأدوات التعذيب التي تُستخدَم لجعل السجناء أكثر تعاوناً. ولعلّ الأهم أنهم عثروا على ملفّات تتحدّث بالتفصيل عن طبيعة العمل، ولحساب من كان يُنفَّذ. عند انقشاع الغبار، قد تجد واشنطن أن حلفاءها العرب لم يكونوا مستعدّين تماماً لمطاردة المشبوهين الإرهابيين واعتقالهم خشية اتّهامهم بالتعاون مع الأميركيين.
لكن ماذا عن العمل المظلم الذي تقوم به الأنظمة العربية بمساعدة دول عربية أخرى؟ أوردت أنباء أن الثوّار الليبيين أسقطوا الأسبوع الماضي مقاتلتَين يقودهما طيّاران سوريان لحساب نظام القذافي المحاصَر.
أوضحت مصادر عربية أنه قد يكون هناك ما يزيد على أربعة وعشرين طيّاراً سورياً يقودون طائرات في ليبيا، فالقذافي يدفع جيداً ودمشق في حاجة إلى المال.
فضلاً عن ذلك، تعود العلاقات السورية – الليبية إلى عقود خلت، والروابط بين الأجهزة الاستخبارية للبلدَين قويّة. وتشرح المصادر نفسها أن وفداً من الاستخبارات السورية أُرسِل أخيراً إلى طرابلس كي يزيل من أرشيف الاستخبارات الليبية أي أثر للسجلاّت التي تعرض بالتفصيل المشاريع السابقة التي تعاون البلدان فيها، بما في ذلك في مجال الإرهاب.
إلى ذلك، زعم موقع إلكتروني ناطق بالعربية أن نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام متورّط في هذه العمليات المشتركة، بما في ذلك "اختفاء" موسى الصدر، الإمام اللبناني المولود في إيران الذي فُقِد في ليبيا عام 1978 ويُعتقَد أنه ميت.
إذا تبيّن أن سوريا متورِّطة فعلاً في موت الصدر، فقد يواجه نظام بشار الأسد بعض المتاعب مع الشيعة في لبنان الذين كانوا يكنّون احتراماً شديداً للإمام الصدر.
وفيما يُرجَّح أن يشير القرار الاتهامي المتوقَّع صدوره قريباً إلى تورّط مسؤولين سوريين في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، الذي كان شخصية سنّية بارزة في لبنان، لا تستطيع سوريا أن تستجلب لنفسها عداء الطائفة الشيعية، فالشيعة هم الطائفة الوحيدة في لبنان التي لا تزال تدعمها دعماً مطلقاً.
بعث خدام بإشارة من باريس مفادها أن لا علاقة له بموت الصدر.
فقد تكلّمت في واشنطن مع بسام بيطار، وهو معاون لخدام كان يعمل في النظام السوري على مستوى رفيع. يقول بيطار "حذّر خدام الصدر من الذهاب إلى ليبيا. لطالما اعتبر خدام أن القذافي مجنون وتخوّف من وقوع مشكلة ما، لكن الصدر ذهب في مختلف الأحوال، لأنه كان في حاجة إلى مال القذافي لمشاريعه".
كانت نقطة الخلاف بين القذافي والصدر أن الزعيم الليبي يريد أن يستعمل الإمام الأموال لدعم المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، لكن الصدر كان يستخدمها لبناء مقوّمات الطائفة الشيعية الفقيرة في جنوب لبنان.
يقول بيطار: "بدأ الرجلان يتجادلان وخرجت الأمور عن السيطرة. قال القذافي لضباطه بأن "يأخذوه"، ففسّروه بأنه أمر بقتله مع معاونَيه".
أن يكون قصر القذافي مليئاً برجال ينزعون إلى تفسير استياء الديكتاتور بأنه أمر بالقتل، فهذا خير تعبير عن طبيعة النظام الليبي.
عندما سأل القذافي في اليوم التالي عن مكان الصدر وعلِم أنه قُتِل، أمر بقتل الضابط. يقول بيطار: "لم يُرِد القذافي أن يتسبّب مقتل الصدر بأي متاعب له. اتّصل بالسوريين مذعوراً ليطلب النصيحة، ودمشق هي التي قالت له أن يُلفِّق الرواية أنه شوهِد آخر مرة يغادر ليبيا متوجِّهاً إلى إيطاليا حيث يُزعَم أنه اختفى".
يشرح رجل خدام في واشنطن أنه نظراً إلى أن نائب الرئيس السوري السابق كان مسؤولاً عن الملف اللبناني قبل أن يُسلِّمه حافظ الأسد إلى ابنه بشار الذي أصبح لاحقاً رئيساً للجمهورية، لم تكن لخدام علاقة بالعمليات الإرهابية المشتركة بين سوريا وليبيا، على غرار تفجير لوكربي.
تجدر الإشارة إلى أنه قبل وقت طويل من إدانة ضابط الاستخبارات الليبي عبد الباسط المقرحي في العملية التي أسفرت عن مقتل 270 شخصاً عام 1988، بينهم 190 أميركياً، كانت سوريا المشتبه فيه الأساسي.
وقد كثرت التكهّنات بأنه تمّت تبرئة ساحة دمشق عندما أراد البيت الأبيض في عهد جورج بوش الأب الحصول على التعاون السوري في عملية "عاصفة الصحراء" ومحادثات السلام في مدريد، لكن بيطار وخدام يعتبران أن السوريين عملوا إلى جانب ليبيا لإسقاط الطائرة التابعة لخطوط "بان أميركان" في الرحلة 103.
ويضيف بيطار: "كان السوريون يديرون الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أي مجموعة أحمد جبريل – وهي التي نفّذت العملية. لكنني واثق من أن المقرحي كان جزءاً منها أيضاً".
ويتابع بيطار، الذي عمل في السفارة السورية في باريس في الثمانينات عندما كانت دمشق تدير منظمات إرهابية فلسطينية انطلاقاً من العاصمة الفرنسية، أن ضابط الاستخبارات المسؤول عن الربط مع الأجهزة السرّية الأخرى كان الجنرال محمد خولي، "كان عنصراً في استخبارات القوات الجوية، وبما أن حافظ كان ينتمي أيضاً إلى سلاح الجو، كان هذا سبباً إضافياً ليثق به، ومع وصول بشار إلى الرئاسة، يجري باستمرار تبديل المناصب والمواقع في الاستخبارات لأنه لا يثق بهؤلاء الأشخاص، لهذا يُعيد تنصيب بعض معاوني والده الذين كان يثق بهم ثقةً كاملة، مثل محمد خولي".
يشتبه بيطار في أن خولي هو من أرسل ضباط استخبارات سوريين إلى طرابلس لتنظيف الملفات الليبية، "لا يريدون إثارة استياء الأميركيين"، لكن من الصعب أن نعرف ما هو السوء الكبير الذي يجب أن ترتكبه دمشق لتثير استياء واشنطن فعلاً. لقد اعتادت إدارتا بوش وأوباما أن تشيحا بنظرهما عندما يتعلّق الأمر بسوريا. فدمشق لم تدفع ثمناً لارتكاباتها سواء في دعمها لـ"حزب الله" و"حماس"، أو في استخدامها طريق عبور للمقاتلين الأجانب المتوجّهين إلى العراق لقتل الجنود الأميركيين وحلفاء الولايات المتحدة، حتى التقارير عن أن سوريا بنت منشأة نووية سرّية ثانية في ضواحي دمشق هذه المرة، لم تُغضب البيت الأبيض الذي لا يزال يعتبر أن المسألة المركزية في الشرق الأوسط هي عملية السلام العربية –الإسرائيلية. يبدو أن أوباما – وعلى الأرجح أوباما وحده – يعتقد أن من شأن اتفاق بين دمشق والقدس أن يُنفِّس الهواء في البالون الإيراني ويُهدِّئ المنطقة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن موجات الغضب التي تجتاح الشرق الأوسط حالياً لن تكبحها عملية سلام. خبراء الشرق الأوسط الحقيقيون هم في الأنظمة نفسها، ويعرفون في أي اتّجاه تهبّ الريح، وإلا ما كانت الاستخبارات السورية لتنظّف ملفاتها في ليبيا، إنهم يتحوّطون في رهاناتهم خشية أن تكون أيام القذافي معدودة، أياً تكن أعداد الطيّارين الذين يؤجّرونه إياهم.
يقول بيطار: "يعتقد خدام أنه سيأتي دور سوريا أيضاً"، بالتأكيد لدى خدام المنفي أسباب كثيرة ليتمنّى سقوط النظام الذي كان يعمل لحسابه ويكنّ له الكره الآن. يُظهر تاريخ التعاون بين سوريا وليبيا أن النظام في دمشق قادر على أن يكون همجياً بقدر نظام القذافي عندما يكون في مأزق، ويوماً ما، وقد لا يكون هذا اليوم بعيداً جداً، سوف يصبح في مأزق.

ترجمة نسرين ناضر (النهار)

السابق
لبنانيون يتحركون ضد السلطة البحرينية
التالي
إسرائيل الراهنة: توغل في الفاشية