مزارعـو التبغ يعـودون إلى الحقــول جنوبــاً مجدديــن مطالبهم

عاد مزارعو التبغ في الجنوب إلى حقولهم، ليجدد المنطاع (اداة تستعمل لغرس شتلة الدخان في التراب) شقوقه الأزلية في يوميات المزارع الجنوبي، باثّاً الحياة في الحقول الخاوية، في تقليد يتجدد فيه كل شيء إلا أحوال المزارع، الذي يبقى رازحاً تحت الديون في انتظار موسم جديد. وللجنوبي مع شتلة التبغ قصة حياة شُكت يومياتها بالميبر (مسلة كبيرة تستعمل لشكّ اوراق التبغ الخضراء)، إثر نشرها على جدران الزمن المرّ، وتنضيدها في صناديق النسيان. ولتستمر حكايتها منذ الأيام الأولى لإنشاء شركة الاحتكار الفرنسية وحتى اليوم، فرغم تغير جنسية الشركة إلا أنها بقيت صفتها «الاحتكارية». وقد ساهمت فترة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان في زيادة ذلك الترابط والتلاحم بين المزارع و«احتكار جهده»، حتى أصبحا يقرنان ببعضهما البعض. وقد تحول ذلك الارتباط خلال أكثر من عقدين من الاحتلال إلى كلمات للتغني وأفكار للإلهام، لإنشاد أغاني الصمود وعزف ألحان التضحية.
أرقام رسمية وأخرى حقيقية رسمياً، تشير أرقام «إدارة حصر التبغ والتنباك» إلى أن 25 ألف عائلة يعملون في زراعة التبغ، منتجين حوالى ثمانية ملايين كيلوغرام من التبغ سنوياً، بمبلغ إجمالي يصل إلى 90 مليار ليرة لبنانية، أي أن المعدل الوسطي لدخل كل عائلة من تلك الزراعة يبلغ 2400 دولار طوال سنة. إلا أن الواقع رغم أنه يشير إلى صحة الرقمين الأخيرين لكمية الإنتاج والدخل الإجمالي، يظهر أن الرقم الأول هو أقل مما هو على الأرض. ففي بنت جبيل وحدها، على سبيل المثال، يعمل حوالى عشرة آلاف عائلة في زراعة التبغ، فيما المسجلون الفعليون هم حوالى 3300 عائلة فقط، ويزرعون حوالى 20 ألف دونم، بحيث يعتمدون عليها بشكل كلّي أو جزئي في حياتهم، أي أن معدل الدخل السنوي لكل عائلة لا يزيد عن ألف ومئتي دولار أميركي، أي نصف معدل الدخل العام، وينعكس ذلك الواقع في المناطق الأخرى بشكل أو بآخر. وتجب الإشارة هنا إلى أن كل دونم من الأرض، حددت الشركة إنتاجه بمئة كيلوغرام من التبغ، تستلمه من المزارع بمعدل عشرة آلاف ليرة للكيلوغرام الواحد (معدل الأسعار للكيلو الواحد بين الصفر و12 ألف ليرة، وكل رخصة هي عبارة عن إنتاج أربعة دونمات.)
ويشرح المزارع عبد فرحات أسباب ذلك الفرق، مشيراً إلى «أن كثيرين من أصحاب الرخص لا يقومون بزرعها بأنفسهم وذلك لاعتبارات متنوعة فيلجأون إلى تأجيرها لمن يزرعها، فقد تتوزع كل رخصة، والتي هي عبارة عن إنتاج أربع دنمات إلى أربع عائلات»، لافتاً إلى أن «البدل المالي يتراوح بين أربعمئة ألف وأربعمئة دولار للرخصة الواحدة، تبعاً لحال العرض والطلب». ويشير فرحات إلى أن «صاحب الرخصة يتحوّل إلى شريك للمزارع في إنتاجه، من دون تعبه، في حين أن الشركة تمتنع عن إعطاء رخص جديدة».
مطالب في مهبّ «التطنيش» لا تقتصر مطالب المزارعين على موضوع الرخص، فهم يطالبون منذ فترة طويلة بجملة من التقديمات التي يرون أن من واجب الدولة منحهم إياها، خاصة أن قطاع الدخان يعتبر من أهم القطاعات التي تدر أموالاً سهلة على الخزينة العامة، في حين أن العاملين فيه لا يزالون محرومين من نعم القطاع.
ويعدد المزارع رضا عطوي تلك المطالب، ملخصاً إياها بـ «تسجيلنا في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ورفع سقف الإنتاج المحدد بخمسة آلاف طن إلى سبعة آلاف، إضافة إلى تحسين سعر الكيلوغرام وحصر الرخص بمن يزرعها فقط». ويضيف عطوي «ونطالب بإعادة العمل بالرخص القديمة، لا سيما أن قرى بكاملها خسرت تلك الأذونات بعد التهجير كبلدات بيت ياحون وحانين، بالإضافة إلى أن تستلم الشركة المحصول الفائض من التبغ والمكدس في المخازن منذ سنوات، حيث يحدث كثيراً أن يزيد إنتاج الدونم الواحد عن المئة كيلو، بينما ترفض الشركة شراء تلك الزيادة». وعن مصير تلك المطالب، يشير رئيس نقابة العاملين في القطاع حسن فقيه إلى أن «الدولة بوضعها الحالي، بالكاد تستطيع تأمين ما هو مطلوب منها، فكيف إذا طلب منها أعباء إضافية؟».
كما تبقى مشكلة الالغام والقنابل العنقودية حاضرة بشكل يومي، وفي كل مناسبة، رغم الإعلان عن تنظيف مئات آلاف الأمتار المربعة من الأراضي من الأجسام المنفجرة. وقد أثبتت التجربة أن الإعلان عن تنظيف حقل وتسليمه لا يعني إطلاقاً تحوله إلى حقل آمن، والشواهد على ذلك كثيرة، ومنها ما حدث مع عائلة المزارع أحمد حجازي في عيترون، فقد نجت العائلة الجنوبية من مجزرة محققة بأعجوبة، كان سيسببها انفجار قنبلة عنقودية مطمورة في قطعة الأرض التي كانوا يزرعونها. وبعدما أبلغ الجيش اللبناني، وبعدما جرى مسح للأرض عُثر على 12 قنبلة عنقودية أخرى، على الرغم من أن الأرض كانت قـد خضعت لكشف سابق.

السابق
إسرائيل الراهنة: توغل في الفاشية
التالي
إقفال مكب رأس العين في صور.. ودعوات للإسراع في الفرز