تجسيد قوى 14 آذار لشعبيتها عقبة إضافية أمام الحكومة

شكّل احتشاد مئات الآلاف من اللبنانيين الأحد الماضي في وسط بيروت، ورفعهم شعارات أبرزها حصرية السلاح بيد الدولة ودعم المحكمة الدولية، عقبة إضافية أمام إنجاز الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تشكيلة حكومية منسجمة مع ما يسميه "وسطيته" و"توافقية" رئيس الجمهورية ميشال سليمان.

فالسلاح المقصود هو سلاح "حزب الله" الذي كلفه مع حلفائه منذ خمسين يوماً، ووقف تعاون لبنان مع المحكمة الدولية كان شرطه المعلن للتسمية. وبالتالي كيف للرئيس ميقاتي أن يتجاهل القوة الشعبية الرافضة، وكيف سيتعامل مع هذين العنوانين لتحقيق هدفه "الانقاذي" كما أعلن، خصوصاً في غياب قوى 14 آذار عن حكومته؟.

ورغم كل ما يتردد عن الإسراع في تشكيل الحكومة كرد على حشد يوم الأحد، يبدو أن التوقيت الخارجي لم يحن أوانه بعد.

فقد أجمعت قوى 8 آذار بعد إحياء الذكرى السادسة لانطلاقة قوى 14 آذار، وبلسان مختلف مكوناتها، على أن الرد يكون بالإسراع في تشكيل الحكومة. وجاء ذلك رغم عدم تخطي عدد من العوائق السابقة التي كانت بانتظار نتائجها لتحديد شكل الحكومة: حكومة مهادنة أو مواجهة، ومنها صدور القرار الاتهامي الدولي الذي سيتضمن وفق معلومات صحافية، أسماء عناصر من "حزب الله" واتضاح الصورة الاقليمية في ضوء تعاقب الثورات في الدول العربية.

ورغم تفاؤل وسائل إعلام قوى 8 آذار والمقرّبة منها، بقرب إنجاز الحكومة ونسبها ذلك الى أوساط الرئيس المكلف يبدو مخاض الولادة طويلاً.

فالتشكيل لا يبدو محتملاً هذا الشهر، خصوصاً مع استمرار الخلافات بين الحلفاء على الحقائب الوزارية وابتعاد سوريا المعلن عن التدخل لدى حلفائها لتسهيل الولادة قبل اتضاح التطورات الاقليمية أو الحصول على تفويض دولي بالتدخل يبدو مستبعداً حالياً مهما اشتدت الأزمة.

وتشير أوساط الرئيس سليمان الى "بعض التقدم في مناخ المناقشات والمشاورات"، لافتة الى أن التشكيل "ما زال في المربع الأول ولم يتم تحقيق أي نقلة نوعية". والتقدم وفق الأوساط نفسها هو باتجاه حكومة متوازنة لا يطغى عليها لون قوى 8 آذار ويتقاسمها "سياسيون ومستقلون مناصفة". كما نقل زوار الرئيس سليمان رفضه لتوقيع حكومة من لون واحد.

وفيما يبتعد "حزب الله" عن التعليق المباشر على المشاورات، يؤكد حليفه وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل أن الموعد "ليس قريباً" لأن الاتفاق لم يتم بعد على أي من التفاصيل.

وقد يؤدي تجذر الانقسام العمودي بين الطرفين الى أزمة وزارية مفتوحة يدفع ثمنها ميقاتي من "وسطيته". ويستبعد سياسي متابع للمفاوضات أن تسهل قوى 8 آذار مهمة الرئيس المكلف عبر تشكيلة حكومية لا تضم ممثليها وتسحب ورقة رئيسية من يد قوى 14 آذار.

ويضيف: "اذا أراد ميقاتي الانسجام مع ما يعلنه ومع ما أكده لزواره الأجانب وإذا أراد الاستفادة من حشد يوم الأحد فلا حل آخر لديه سوى تركيبة حيادية تسمح له، في حال عدم نيلها ثقة البرلمان، بالانتقال الى تصريف الأعمال".

وإذا ما تخطى الرئيس المكلف مصاعب التشكيل فسيكون أمامه استحقاق البيان الوزاري الذي على أساسه ينال ثقة البرلمان.

فبعد الاختبار الشعبي أصبح سلاح "حزب الله"، الذي فشلت كل المقاربات السابقة الخجولة له، مشكلة داخلية واضحة يستحيل تناولها ببيان وزاري يستعيد تكريس "ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة" على غرار بيان حكومة الرئيس سعد الحريري.

فالتزام الرئيس المكلف بهذه الصيغة يفترض حكماً التزامه بما ورد في البيان نفسه عن المحكمة وفيه "تؤكد الحكومة، في احترامها للشرعية الدولية ولما اتفق عليه في الحوار الوطني، التزامها التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان".

لكن الشروط التي أعلنها "حزب الله" تدل على أنه سيرفض حكماً هذه الاستعادة.

ويتساءل السياسي المتابع مفاوضات التشكيل، "حتى إذا افترضنا أن "حزب الله" ولرغبته بإنجاز الحكومة سريعاً وافق على عدم تضمن البيان الوزاري تنصل لبنان من المحكمة، فهو سيشترط بالتاكيد ومع انعقاد أول طاولة لمجلس الوزراء بت مصير "ملف شهود الزور" الذي أسقط الحكومة السابقة بعد أن عطل أعمالها شهوراً والذي يعرقل عمل المحكمة الدولية إضافة الى عدم قانونيته".

ويتلخص المأزق الذي يواجهه الرئيس ميقاتي بأنه سيرأس حكومة لا تحظى بثقة نصف اللبنانيين على الأقل، فيما ثقة البرلمان بها ضعيفة (بفارق ثمانية أصوات فقط). وهو قد أشار للمرة الأولى مطلع الأسبوع الجاري الى احتمال تنحيه إذا لم يتمكن من الإنقاذ وذلك بعد أن دأب على إعلان رفضه الاعتذار عن التشكيل.

وشكل حجم الحشود التي تقاطرت من مختلف المناطق اللبنانية انتفاضة ضد سلاح "حزب الله" تطالب بنزعه من الداخل وبوضع الموجه منه نحو إسرائيل بإمرة الدولة، كما شكل دعماً مطلقاً للمحكمة الدولية. وقد وفر تعويضاً شعبياً لقوى 14 آذار عن خسارتها الأكثرية البرلمانية.

وبعد هذا الحشد يأتي دور القيادات لتترجم مضمون تعهداتها التي لا تقتصر تحدياتها على حصرية السلاح ودعم المحكمة إنما تتخطاها الى بناء الدولة في الإدارة والاقتصاد ومختلف شؤون المواطنين الحياتية.

السابق
بطريرك للبنان
التالي
الجالية اللبنانية في أبيدجان تناشد المعنيين لإجلائهم بسبب تدهور الأوضاع الأمنية