هل غيّرت واشنطن سياستها تجاه لبنان ؟!

يبدو ان واشنطن تقوم بمراجعة سياستها في بيروت، وحيال لبنان على عكس ما تسمعه اطراف سياسية لبنانية من قبل السفير فيلتمان أو مسؤولين أخرين.
فلم تعد واشنطن معارضة لحكومة من الاكثرية الجديدة، واهم ما في التغيير انها قررت وبصورة سرية للغاية عدم عدائها في العمق لحزب الله، بل الابقاء على محاربته ديبلوماسياً وسياسياً مع قبوله في الانخراط السياسي اللبناني من قبل واشنطن، لآنه بعد التحولات التي تجري في العالم العربي رأت واشنطن انه لا مجال لاستمرار الصراع بالشكل الجاري مع ايران، بل بضرورة الانفتاح على حركة حماس، وعلى حزب الله، وعلى الاخوان المسلمين في مصر، وعلى حركات اسلامية ضد اسرائىل، دون ان تكون واشنطن مؤيدة لسياسة هذه القوة، بل ان تتعامل معها كأمر واقع موجود فتبقي صراعها معها ديبلوماسياً وسياسياً، لكن في الجوهر لا تقطع الطريق عليها ولا تصرف الاموال ضدها.
من خلال مراجعة تقارير وزارة الدفاع الاميركية أو البنتاغون، تبين ان تقرير (بيكر- هاملتون) التقى مع التقارير العسكرية للقيادة العسكرية الاميركية، وان واشنطن مضطرة للتفاوض مع طالبان في افغانستان، وهي قامت بإتفاق سري غير معلن مع ايران لتولي الرئىس نوري المالكي رئاسة الوزراء في العراق، كما انها مهدت طوال 4 سنوات لعدم الدفاع عن نظام الرئيس حسني مبارك الى ان قبلت في الاشهر الاربعة الاخيرة وجود الاخوان المسلمين في مصر، ودخولهم السلطة، وبالتالي سقوط الرئيس مبارك امام الثورة الشعبية في مصر، وينعكس هذا الامر على لبنان، فواشنطن وجدت انها مضطرة للتعاطي او للأخذ بالحسبان وجود حزب الله وقوته العسكرية والسياسية، وبالتالي لا مجال لتجاهله، بل ان واشنطن سلمت بأن تقوم الاكثرية الجديدة بتشكيل الحكومة ، وباتت لا تعترض عليها لأن الواقع العربي يفرض ذلك، على أثر تغيير انظمة وسقوط بعضها واستمرار الثورات الشعبية في العالم العربي.
إعتبرت واشنطن، ان قوة حزب الله في لبنان اساسية، وانه اذا اندفعت واشنطن دائما ضد حزب الله في لبنان، فإن لبنان لن يستقر كما ان التقارير العسكرية الاميركية التي تم رفعها الى الرئيس باراك اوباما ومكتب الامن القومي في البيت الابيض ،اكدت ان اسرائىل غير قادرة على إلحاق الهزيمة بحزب الله عسكرياً، وبالتالي فإن واشنطن ما زالت تدعم اسرائىل بقوة وتعتبر امن اسرائىل اساسي لها، لكنها تأخذ بعين الاعتبار قوة حزب الله وتعتبره حزباً لا بد من فتح قناة غير مباشرة معه، عبر فرنسا، وربما بريطانيا من اجل معالجة الوضع اللبناني بصورة شاملة.
ان الاتصالات البريطانية مع حزب الله، والاتصالات الفرنسية مع حزب الله تتابعها واشنطن بكل تفصيل، وهي باتت راغبة بهذه الاتصالات، لانها رأت فيها عنصر استقرار موقت على الساحة اللبنانية، وابلغت واشنطن اسرائىل، ان عليها عدم القيام بأيعمل عسكري ضد حزب الله في لبنان، لأن التشابك بين حزب الله والساحة اللبنانية قوي جدا، بشكل سيؤدي اي عدوان اسرائىلي لعدم استقرار في المنطقة كلها، واميركا لا تتدخل عسكرياً في هذا الظرف في الشرق الاوسط، ولذلك تعتبر ان الحرب ستكون بين المقاومة واسرائىل، وان اسرائىل غير قادرة على إلغاء المقاومة في لبنان وواشنطن غير راغبة بالتدخل عسكرياً.
وبالتالي، فإن هدنة مفروضة بين اسرائىل ولبنان بقرار اميركي لسنوات، تعتقد اوساط سياسية، ان واشنطن ابلغت هذا الامر بصورة غير مباشرة الى الرئىس ميقاتي، ولكن ليس بالتفاصيل السرية التي تنتهجها بل بسطحية الامور، وهي ان إشراك حزب الله في الحكومة ونفوذه لا تقف ضدهما اميركا، شرط ان لا تسلم حزب الله حقيبة سيادية عبر احد وزرائه، مثل وزارة الدفاع ،وزارة الداخلية ،وزارة المالية،وزارة الخارجية،وزارة العدل وخارج هذه الوزارات الخمس، فإن واشنطن ترحب بأن يكون لحزب الله دور في الحكومة، وباتت مقتنعة بإعطاء ضوء اخضر بتشكيل الحكومة الجديدة من الاكثرية الجديدة.
هل يعني ذلك ان واشنطن تخلت عن حركة 14 آذار؟ الجواب كلا، فواشنطن ما زالت تعتبر 14 آذار هي الحليف الاساسي لها في لبنان، لكنها خففت من عدائها لحزب الله، وبدأت تفكر جدياً في سياسة ترتكز على تقرير (بيكر-هملتون) الذي اعطى استنتاجات عديدة، اهمها ان ما يحصل في دولة معينة يجب ان يأخذ اتصالات اميركية مع دول الجوار، وثانيا ان تأخذ الولايات المتحدة بالامر الواقع الحاصل في هذا البلاد ولا تتجاهله، ومثال على ذلك قامت القوات الاميركية في افغانستان بقيادة الجنرال باتريوس باتصالات مع حركة طالبان، وقامت القيادة العسكرية الاميركية في العراق باتصالات مع القوى السنية التي كانت مؤيدة لصدام حسين، وتحاول التفاهم معها لإعطائها حصة في حكم العراق، ولم تعد واشنطن تعمل على خطط إجتثاث البعث العراقي، بل باتت تعمل على التعامل مع مؤيدي صدام حسين السابقين. وبالنسبة لحركة حماس، فقد قررت واشنطن التعاطي مع حركة حماس عبر طرف ثالث، واعتبرتها قوة فلسطينية كبيرة موجودة، حتى انها نصحت الرئىس أبو مازن رئىس السلطة الفلسطينية بعدم اجراء الانتخابات الفلسطينية النيابية الاّ بالتفاهم مع حركة حماس، وان تجري الانتخابات في الضفة وغزة في ذات الوقت.
وهكذا في لبنان، سنشهد استمرار السياسة الظاهرية الاميركية في العداء ضد حزب الله، لكن واشنطن في العمق والجوهر باتت قابلة وموافقة على التعاطي مع حزب الله عبر طرف ثالث، والقبول بدوره على الساحة اللبنانية من ضمن قبول واشنطن باستنتاجات تقرير (بيكر- هملتون) الذي يصرّ على أخذ الامر الواقع بعين الاعتبار.

السابق
أوساط “تيار المستقبل”: واقع ميقاتي مختلف عن 2005..هو حالياً طرفاً في المواجهة
التالي
شباب 14 آذار منزعجون من “المنار” وأخواتها