فكر السيد محمد حسين فضل الله

منذ بضعة أيام عقد "تجمع علماء جبل عامل" مؤتمراً صحافياً في قاعة حسينية مجمع السيدة الزهراء في بيروت، بعنوان "التطاول على سلاح المقاومة والمقامات الدينية للطائفة الشيعية". وبرأيي أن أخطر ما في العنوان هو الربط المقصود بين السلاح المنسوب الى المقاومة والمقامات الدينية للطائفة الشيعية، وهذا يعني محاولة واضحة لوضع السلاح في موقع المقدس، حتى يتم من خلال ذلك إخراس الأصوات المرتفعة اليوم وبوضوح في وجه استمرار هذا السلاح في الهيمنة على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية للمواطنين اللبنانيين من مختلف طوائفهم.
خطورة هذا التصريح تكمن بأنها تضع جزءاً كبيراً من اللبنانيين، ومن طوائف متعددة، في مواجهة نظرية اسمها السلاح المقدس، لم تصدر بشكل اجتهادي فقهي إلا عرضاً عند بعض العلماء الشيعة. والواقع هو أن هذا السلاح حسب المعلن والمعروف، موجود لأسباب سياسية وهي مسألة الدفاع عن لبنان بعنوانها العريض ضد المعتدين بشكل عام، وفي السياق التاريخي في مواجهة العدو الإسرائيلي. ولكن، وأيضاً في السياق التاريخي، فإن هذا السلاح كان قد استخدم في الصراعات الداخلية بين أفرقاء الشيعة أنفسهم في ثمانينات القرن الماضي في الحروب المعروفة بين "أمل" و"حزب الله"، فهل كان سلاح الطرفين يومها سلاحاً مقدساً، يوم كان يصف "حزب الله" جماعة "أمل" بـ"الكفار"، وتصف "أمل" "حزب الله" بـ"عملاء إيران؟".
وهل كان هذا السلاح مقدساً يوم استخدم ضد الشيوعيين والقوميين وكثير منهم كانوا من الطائفة الشيعية. والأخطر من ذلك هو أن يكون هذا السلاح نفسه مقدساً عند غزوات السابع من أيار وعائشة بكار وبرج أبي حيدر؟!
باختصار، من غير الممكن أن يربط السلاح بـ"المقدس"، لأنه يخدم عادة مسائل سياسية وفي عالم السياسة لا يوجد مقدس خاصة في المسائل المؤقتة غير المبدئية أو ايديولوجية والتي تدخل عادة في بازار التسويات.
أما التصريح الثاني والذي أتى كالتحذير المشابه لما حصل يوم تناول السيد حسن نصرالله أحد البرامج التلفزيونية، هو ما جاء على لسان رئيس "التجمع" الشيخ يوسف دعموش عندما قال: "العلماء أمناء الرسل وعلى رأسهم الفقيه بما له من ولاية على الأرواح والأنفس، هم الذين غرسوا تلك البذرة التي نمت وأثمرت وأينعت فكانت السلاح زينة الرجال…" وهنا أيضاً يربط سماحته مسألة ولاية الفقيه بالسلاح ليضع القضية مجدداً في مجالات أعلى من التقديس، بوصلها بقضية مختلف عليها أصلاً في أعلى المرجعيات الشيعية ويرفضها أغلب فقهاء الشيعة حسب قول الإمام المرجع السيد محمد حسين فضل الله. يعني أن الشيخ دعموش يريد أن يفرض مقدساً على كل أطياف المجتمع اللبناني هو أصلاً محط خلاف على قدسيته حتى ضمن الطائفة الشيعية.
ولكن التحذير أتى على لسانه، كما يلي "إن ولاية الفقيه لم تكن مشروعاً سياسياً أو وسيلة اندفاع على طريقة ساسة اليوم لتلوكها الألسن ويتهكم بها المستهزئون، إن الفقيه وولايته جزء من المعتقد وتمام الحجة. وبما له من شرعية، مرغ أنف الطاغوت والاستكبار العالمي وعلى رأسهما أميركا ومن ورائها المستسلمون الانهزاميون!!
من المؤكد، هو أننا في بلد تعددي وحرية الفرد في الاعتقاد والعبادة مصانة الى أبعد الحدود، ولا يحق لأي منا الاستهزاء او النيل من معتقد الآخر مهما كان غريباً في طرحه أو في تركيبته، ولكن الواقع هو أن مشروع ولاية الفقيه، يحمل في طياته قضية سياسية بامتياز، وهي كما وضعها الشيخ دعموش بمقارعة أميركا، وهي مسألة تدخل في صلب عالم السياسة غير المقدس. وقد لا يكون لنا دخل في التعليق على هذه الفرضية إلا لأنها تدخل لبنان بكل أطيافه وطوائفه في حسابها، وتضعنا جميعاً في لبّ صراع قد لا يكون لنا رغبة ولا قدرة على خوضه، أو قد يكون لنا رأي آخر في صياغته. كما أنه حسب أدبيات ولاية الفقيه، فمن واجب الملتزم بهذا الاجتهاد مدّ سلطة الولاية الى أكبر بقعة من الأرض، وبالتأكيد فإن لبنان معني بهذا الموضوع، ولا يعتبر معظم اللبنانيين ومن ضمنهم أكثرية الشيعة بأن نقاش هذا الموضوع يدخل من ضمن المقدس!
لذلك فإننا سوف نستمر في انتقاد ورفض السلاح الذي يسميه الشيخ دعموش بـ"المقدس"، ولن نتوقف عن تناول مسألة ولاية الفقيه وبكل احترام طالما كان لها تأثير على الواقع السياسي في لبنان.
إن دعوة المراجع الشيعية الى التعسكر خلف هذه الأفكار هي دعوة صريحة الى الفتنة المفتوحة، لأنها تقطع باب الحوار والتفاهم بين اللبنانيين حول الأمور المختلف عليها.

السابق
الريس: الجبل انحاز الى الاستقرار والسلم الأهلي
التالي
الاكثرية : الولادة «السبت» وعقدة الداخلية تراوح مكانها