عن منتدى «الجزيرة» السادس والتفاعل مع الثورات العربية

كان أحد رعاة الغنم يرتاح إلى جانب شجرة بينما كان قطيعه الكبير ينتشر في السهل. وإذا بسيارة من الحجم الكبير (فان) تقف بالقرب منه ويترجّل منها شاب ثلاثيني. يقترب منه، ويبدأ الحديث مباشرة: أنت راع.. أليس كذلك؟ ولم ينتظر بعد إيماءة بالإيجاب، تابع الشاب حديثه: أتعرف أن بمقدوري أن أقول لك خلال وقت قصير جداً كم نعجة في قطيعك؟ فرد الراعي: كيف ذلك؟ رد الشاب الذي كان قد حل ربطة عنقه: هذا عملي، ولكن إذا أعطيتك الرقم الصحيح تعطيني نعجة من القطيع. وقف الراعي وتعجّب ثم وافق على الرهان.
خلال دقيقة، كان الشاب قد خلع سترته الأنيقة وتخلى عن ربطة العنق ورفع كمّي قميصه، (تماماً كما فعل سعد الحريري الأحد) وتوجه إلى شاحنته، فشغل حاسوبه وبدأ يضرب على الأزرار، ففتح سقف السيارة وخرج منها صحن لاقط، ثم أكمل عمله والراعي ينظر إليه بتعجب. وقبل مرور ثلاث دقائق، نزل الشاب من السيارة واقترب من الراعي وقال له مبتسماً: لديك 869 نعجة في القطيع!
ابتسم الراعي وقال له: صحيح، ولكن كيف عرفت؟
رد الشاب وهو يعيد ترتيب آلاته: هذا عملي.. هيا أعطني النعجة. فدفع الراعي الرهان. وتهيّأ الشاب لمغادرة المكان، لكن الراعي استوقفه قائلاً: طيب، أنا أريد أن أعرض عليك الآن رهاناً. أنا أستطيع أن أقول لك بالضبط ما هي مهنتك، وإذا أصبت تعيد إليّ ما أخذته مني؟
وافق الشاب المتعلم على الرهان وهو يبتسم بهزء، قبل أن يقول له الراعي: أنت تعمل مستشاراً!
صعق الشاب وقال: صحيح، ولكن كيف عرفت ذلك؟
رد الراعي: الأمر بسيط، أولاً، أنت أتيتني من دون دعوة، وثانياً أنت تدخلت في ما لا يعنيك، وثالثاً، أنت قلت لي ما أعرفه، ورابعاً… أعد إليّ الكلب الذي أخذته!
أول من أمس، وعلى هامش المنتدى السادس الذي نظمته قناة «الجزيرة» في قطر، كان روب مالي، من مجموعة الأزمات الدولية، أحد الخبراء الأميركيين المفترض أنه من العارفين في أمور الشرق الأوسط، يعطي رأيه في انعكاس الثورات العربية على الصراع العربي – الإسرائيلي. فرتب الأخ جلسته، وبدأ يعطي الدروس، بعدما استخلص من ثورتي تونس ومصر دروساً لم يسمع بها أحد غيره. وتجاهل أن أهم درس قدّمته هاتان الثورتان، أنه من الآن فصاعداً، يستحسن بالحكام والشعوب عدم الركون إلى تقديرات وحسابات وتوقعات أجهزة الاستخبارات ولا إلى مراكز الأبحاث، وخصوصاً تلك الغربية التي تأتي إلينا لتعلمنا كيف ندير أمورنا، علماً بأن المشكلة هنا، تكمن في كون كثيرين منا يفتحون أفواههم مندهشين من تعليقات ومواقف «الأبيض ذي العينين الزرقاوين».
في الملاحظات الإضافية:
أولاً: هناك نوع من الاكتفاء عند قسم كبير من النخب العربية إزاء ما حصل حتى الآن في تونس ومصر. وثمة دهشة وإعجاب، لكن دون التنبه إلى أن ما حصل حتى الآن لا يرقى إلى مستوى تثبيت انتصار الثورة، وبالتالي يستحسن بالقائمين على الأمر من شباب وقيادات حزبية ومعنيين، العمل على تجاهل الكثير من نصائح النخب التي هزمت هي الأخرى كما الأنظمة، وأن تستمر الثورة حتى حصول انتخابات حقيقية.
ثانياً: هناك حرص، وهو أمر مشروع، على مناقشة السياسة الخارجية مع القادمين من مصر وتونس، ذلك أن البعض بدا في خشية من أن تكون الثورات بلا موقف وطني وقومي، علماً بأن تعليقات الحاضرين من تونس ومصر بدت قاسية لناحية أنهم لا يقبلون بمجرد السؤال، إذ إن قضية فلسطين تعدّ أمراً قائماً من دون الإعلان عنه، وإن مواجهة الاحتلال الأميركي والسيطرة على المقدرات الاقتصادية أمر مفروغ منه، لكن الخطير في الأمر، أن قسماً كبيراً من النخب، الذين يساورهم القلق، بدوا مرة جديدة غير عارفين بأهل مصر وتونس.
ثالثاً: كان لافتاً في يومين من أيام المؤتمر الذي أنهى أعماله أمس، أن الغلبة في الحضور هي للمنتمين إلى التيار الإسلامي، وهو أمر مفهوم الأسباب، لكن لم يكن بين الحاضرين من يمثل بقوة التيارات الجديدة، حتى بين الإسلاميين، من الذين تكشف وقائع الحوارات القائمة في مصر وتونس، أن التيار الشبابي لحركة الإخوان المسلمين، هو الآن في قلب نقاش يستهدف إحداث تغيير حقيقي على المستوى التنظيمي والسياسي، وحتى على مستوى مقاربة المهمات المطلوبة في المرحلة المقبلة، ما يدفع إلى السؤال عما إذا كان النقاش لا يزال في إطاره السطحي، أم هو آخر نقاش للقيادات التي يصح وصفها الآن بالتقليدية، وخصوصاً أن الاتجاه واضح بقوة نحو تغيير كبير سيستهدف جميع القوى والأحزاب، وإلا لماتت الثورة.
رابعاً: مفهوم بقوة، أن «الجزيرة» قناة إخبارية لها خلفيتها السياسية، ولديها إطارها المهني، وبالتالي فهي غير محايدة إزاء ما يجري. لذلك كان منطقياً توقع غياب أي نقاش حول «من التالي؟» بعد تونس ومصر وليبيا واليمن. لكن المشكلة هنا، هي الغياب المتعمد لأي نقاش حول ما يجري في البحرين والسعودية، أو حول سوريا كما يرغب معارضون وطنيون في دمشق. وبالتالي، بدت بعض مداخلات «الأجانب» الحاضرين، عامة، وبدت المساهمات ضيقة لغياب المعنيين الحقيقيين، ما جعل الملاحظات عامة ومكررة، سواء في وجهة الانتقاد أو الدفاع لا فرق.

السابق
نتنياهو يطالب عباس بإدانة إذاعيّة
التالي
صوراتي و”اللبنانية الأميركية”..والحريّات