مستقلون وحزبيون وحّدهم الخوف من “السلاح “

لا شيء يشبه التجمع الشعبي الكبير في ساحة الشهداء والحرية امس، سوى تظاهرة 14 اذار 2005، فالحشود التي تقاطرت من جهات لبنان الاربع وملأت الساحات والطرق المؤدية اليها، كان بينها الكثير من الوجوه التي كانت تتردد في النزول خلال الاعوام السابقة الى ساحة الشهداء لالف سبب وسبب.
ورصد حركة المحاور المؤدية الى بيروت كان كفيلاً بحسم الجدل في حجم المشاركة ونوعيتها على رغم التعتيم الاعلامي ومحاولات خنق الحدث الشعبي التي مارستها وسائل اعلام قوى 8 آذار المكتوبة والمرئية والمسموعة، والتي ذهبت احداها الى تحديد عدد المشاركين بعشرات آلاف المواطنين، لضرب صورة التحرك الاضخم منذ 2005، والذي اوحى حجم المشاركة الشعبية فيه مدى القلق الشديد الذي يشعر به اللبنانيون حيال احتمال عودة زمن الوصاية والقمع وحكم الحزب الواحد الذي ثاروا عليه في اذار 2005 بعدما تحكم في رقابهم طيلة 15 عاماً، مع تغيير بسيط استبدل فيه "رفض وصاية الجيش السوري" بـ"رفض وصاية سلاح حزب الله". اما القاسم المشترك بين 2005 و 2011 فالمطالبة بحصر السلاح في الجيش اللبناني وحده.

كان تنظيم الاحتفال يوم الاحد "ضربة معلم" اتاحت ضخ حشود من الجماهير الى الساحة، التي صحت سماؤها وحلقت فوقها اسراب من طيور اللقلق المهاجر الى دفء الربيع بعد اسبوع من الامطار والثلوج الغزيرة، مما دفع مقدمة الحفل الاعلامية سحر الخطيب الى الاعلان: "الله مع 14 آذار، فالسماء صحت ومنّت علينا بالشمس".

والواضح ان الخبرة التي اكتسبها منظمو الاحتفال من تجاربهم السابقة اتاحت لهم اعداد المشهد العام واللوحات الدعائية في شكل فاعل واستيعاب المزيد من الجماهير في شكل منظم وعملاني مكنهم من تقديم صورة معبرة للرأي العام: ومن شاهد الاحتفال من منزله عبر شاشة التلفزيون، تمكن من مشاهدة الحشود المتعاظمة، لكنه لم يشاهد زنار اللافتات التي حملت عبارات للامام موسى الصدر وكمال جنبلاط والامام محمد مهدي شمس الدين انتشرت حول ساحة الاحتفال وفي محيطه.
الاكثرية للمستقلين
كلام كثير سيقال عما جرى في ساحة الشهداء، وهو ليس بالامر العابر، خصوصاً في زمن الاحباط والخيبات والتهديد والوعيد.
والاكيد ان قسماً لا يستهان به من اللبنانيين يستشعرون ما ينتظرهم في الآتي من الايام من قمع وهيمنة وفرض للرأي الواحد عليهم. وعلى رغم ان شخصية رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الدمثة والهادئة لا توحي النزعة "القذافية" فإن سيرة شركائه المنتظرين في السلطة لا تبشر الرأي العام اللبناني بالخير ولا توحي الطمأنينة، وثمة قسم لا بأس به منهم من اصحاب سيرة الحروب المدمرة وقمع الحريات والتنكيل يستفز شرائح واسعة ممن هالهم احتمال العودة بلبنان الى زمن الديكتاتوريات فيما العالم العربي تجتاحه رياح الحرية والتغيير.

الملاحظات كثيرة من ساحة الشهداء، اولها بل اهمها، حجم مشاركة المستقلين من غير المنضوين الى الاحزاب والتيارات السياسية، سواء اكانت اسلامية ام مسيحية. وعلى نقيض تظاهرات الاعوام السابقة التي كانت تشهد حشوداً من الحزبيين مع اعداد قليلة من المستقلين، الا ان الغلبة في التجمع كانت للمتظاهرين المستقلين الذين حملوا الاعلام اللبنانية بكثافة طغت على اعلام الاحزاب، الامر الذي سجله المراقبون والاعلام العربي والاجنبي الذي كان مراسلوه يصرون على معرفة انتماءات المتظاهرين الطائفية والمناطقية، ولم يتوان من استصرحوهم عن اعلان خشيتهم من استمرار الاوضاع على ما هي عليه وتردي احوال لبنان وعودة نظام الوصاية السورية معطوفاً على وصاية ايرانية، علماً بأن مشاركة المستقلين في تظاهرة 2005 التاريخية الفارق الرئيسي الذي عدل ميزان القوى بين تظاهرتي "8 اذار" و "14 اذار".

"نحبك يا وليد"
الملاحظة الثانية، كانت المشاركة الدرزية التي كانت موضوع عناية وانتباه شديدين من الاعلام، فعلى رغم حرص منظمي الاحتفال الواضح على عدم استفزاز رئيس كتلة "النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط من خلال تخصيص المنبر لاحد اركان "14 اذار" الدروز، الا ان ذلك لم يمنع وفوداً شعبية ضمت المئات من المشاركة وهي ترفع اعلام الموحدين الدروز الخماسية واعلام الحزب التقدمي الاشتراكي ولافتات كثيرة خطت عليها عبارات التأييد المقفاة لوليد جنبلاط ورفض مواقفه في آن واحد، مثل: "نحبك يا وليد وغير 14 اذار ما منريد"، واخرى كتب عليها: "يا وليد عن دربك ما منحيد وولاية الفقيه ما منريد".

كثافة مسيحية
الملاحظة الثالثة، كانت حجم المشاركة المسيحية الضخمة مقارنة بتظاهرات الاعوام السابقة، فقد درج مناصرو حزب "القوات اللبنانية" على المشاركة بكثافة في الاعوام السابقة، وكان لهم حضور كبير في احتفالات 14 اذار وهذا ما فعلوه امس.
وفي احتفال البارحة لفتت مشاركة حزب الكتائب الواسعة والتي تجلت بدفع الالاف من مناطق المتن وكسروان وزحلة والبترون وعكار وبيروت مما ساهم في رفع وتيرة المشاركة المسيحية من جبل لبنان والمناطق مقارنة بالاعوام السالفة.
الملاحظة الرابعة، كانت المشاركة السنية الواسعة في الاحتفال، حيث بدا واضحاً ان كل الخطابات والمقالات والدعاية المضادة التي قامت بها قوى 8 اذار لمواجهة "تيار المستقبل" في عقر داره لم تكن مجدية، والدليل الحشود الضخمة التي اندفعت من مناطق البقاع والشمال واستمرت في التدفق حتى ساعات الظهيرة، بحيث كان بعض الوفود يغادر الساحة عبر خط المرفأ جادة شارل حلو في حين كانت قوافل الحافلات والسيارات تستمر في انزال المشاركين عند جسر الكرنتينا في طريقهم الى ساحة الشهداء.
لكن ما خرج عن المألوف في احتفال الامس كان "الهايد بارك" الذي توالى عليه اعلاميون وصحافيون ومثقفون، مثل بهجت سلامة، غادة صاغية، نديم قطيش، وسليم مزنر وجورج ملحم وغيرهم قبل بدء المهرجان، فقالوا ما لم يقله مالك في الخمرة، وحصدوا تصفيقاً اكثر بكثير من السياسيين الذين اعقبوهم.

السابق
مارك لينش: ما سر الهدوء اللبناني؟
التالي
موسى: وجود تقدم كبير في مباحثات تأليف الحكومة الجديدة