النصف ناقصاً واحداً

رغم الصوت المرتفع الذي تميّزت به، أمس، تظاهرة 14 آذار، كانت المرّة الأولى التي ترفع فيها هذه القوى صوتها طلباً للاعتراف بها. ففي 2005، لم تكن 14 آذار مستعدّة للاعتراف بأحد سواها. مَن تظاهر قبلها بستّة أيّام وُصف بكونه إمّا «غير لبناني»، أو «غير وطني»، أو في أفضل الأحوال، «مضلَّلاً». ثمّ جاءت وثيقة «العبور إلى الدولة» التي تحدّثت عن ثقافتين، وعن فصل ووصل، لكنّها أعلنت مدّ يدها إلى الطرف الآخر الذي لم يعد تجاهله ممكناً. أمّا اليوم، فها هي 14 آذار تطمح إلى أن تكون نصف الشعب اللبناني، وألّا يصرّ النصف الآخر على تجاهلها. إلا أنّ مهرجان «لفت النظر» لم يكن موجّهاً إلى الداخل وحسب، فالكثير ممّا فعله سعد الحريري منذ إقصائه عن السلطة، بما في ذلك «يوم الغضب»، موجّه إلى الخارج أيضاً. ولعلّ الصورة العملاقة التي رُفعت للملك عبد اللّه في ساحة الشهداء لتظهر وراء المنبر الذي اعتلاه الحريري، تحمل رغبةً في التبنّي أكثر ممّا تدلّ على إعلان تمثيل أو ولاء. فالحريري لم يفقد فقط الصفة التمثيليّة لـ«الشعب اللبناني»، بل فقد أيضاً جزءاً من احتكاره للدعم الدولي. المواقف السعوديّة المتناقضة بالغة الدلالة، ولا سيّما الموقف الذي صدر أخيراً عن وزراء خارجيّة مجلس التعاون الخليجيّ. الرسالة وصلت أيضاً إلى الإدارة الأميركيّة. ففي ظلّ تعثُّر أيّ صفقة دوليّة في الشرق الأوسط، لا يزال الحريري المُعتمَد الأميركي الذي تقدّم، أمس، خطوة إضافيّة على سلّم المطالب الأميركيّة. فجمْعُ عشرات الآلاف في العاصمة اللبنانيّة للهتاف ضدّ سلاح حزب اللّه، وفقط ضدّ سلاح حزب اللّه، أمر لم يكن وارداً إلا في أحلام جيفري فيلتمان.
رغم إقصائه عن السلطة، لا يزال الحريري يملك العديد من نقاط القوّة. وما حشد أمس إلّا أحد الأدلّة على ذلك. وهو حين يخلع سترته وربطة عنقه على المنبر، ثمّ يشمّر عن ساعديْه، يبعث برسالة مفادها أنّه سيُخرج من جيبه كلّ الأوراق التي يملكها، وهو مستعدّ لرميها على الطاولة، حتّى لا يخرج من اللعبة.
من 14 آذار 2005 إلى 14 آذار 2011، مسيرة حافلة بالتراجعات، إلا أنّ الحريري لا يزال قادراً على الإزعاج، وخصوصاً حين يعدّ له خصومُه المسرح.
 

السابق
ما بعد التظاهرة
التالي
ما الأبقى: السلاح أم الوطن ؟