إسرائيل وقوى 14 آذار

مشكلة قوى الرابع عشر من آذار، مع حشد أو بلا حشد، أنّ قدرتها متواضعة، ولا يمكن صرفها في تغيير معادلات الداخل والمنطقة. مشكلة هذه القوى أن الراعي الأجنبي، الذي كثيراً ما راهن عليها وراهنت عليه، بات مشغولاً عنها في استحقاقات داهمة أكثر وكبيرة أكثر وذات تأثير أكثر على مصالحه. المشكلة أيضاً أن ظروف تل أبيب وصانعي القرارات فيها باتت مغايرة عن ذي قبل، فإسرائيل غير قادرة على إسعاف نفسها وأيّ جهة أخرى تراها حليفة لها كجزء من سلاحها ضد أعدائها. مشكلة قوى الرابع عشر من آذار أن رهانات واشنطن وإسرائيل عليها لم تعد تنطلق من ثقتهما بقدرتها على «توفير البضاعة» المؤمّلة منها، بل لأنها الخيار الوحيد الباقي أمامهما لإشغال المقاومة أو استنزافها لحرف وجهتها عن إسرائيل، والمشكلة الأكثر حضوراً لدى هذه القوى أنها غير قادرة على فهم كل ذلك. قبل أسبوعين، سبق رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، قوى 14 آذار وأعرب عن خشيته، وحسرته، من التطورات التي تشهدها الساحة اللبنانية، ومن «المسار الذي وصلت إليه الأمور في هذا البلد بعد خمس سنوات على ثورة الأرز»، وأكّد نتنياهو بحسرة واضحة أنّ «حكومة ديموقراطية وآمنة وليبرالية في لبنان (أي قوى 14 آذار) كانت ستحسن من أوضاع الشعب اللبناني، وتحسّن أوضاع الشعب الإسرائيلي أيضاً». بالطبع، الفرق بين نتنياهو وقادة الرابع عشر من آذار، أنه ليس بإمكان نتنياهو حشد جماهير على خلفية النعرات والتأجيح الطائفي في لبنان، وليس بإمكانه إنزالها إلى الشوارع للتنديد بسلاح المقاومة، إنه مسار لبناني بحت، يجيده ويتقنه قادة لبنانيّون بامتياز.
تطوّرت النظرة والرهان الإسرائيليان على قوى 14 آذار خلال السنوات القليلة الماضية، بما يرتبط بإمكاناتها وقدرتها على الإضرار بالمقاومة. في مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، لم يعد سراً أن رهان تل أبيب على قوى 14 آذار، كان جدياً وحقيقياً، بأنها قادرة بالفعل على احتواء المقاومة وسلاحها، بل وعلى إنهائها واجتثاثها، إلا أن الرهان سقط. في أعقاب فشل الخيار العسكري الإسرائيلي المباشر ضد المقاومة في عدوان عام 2006، تراجعت رهانات تل أبيب على هذه القوى، لكنها في الوقت نفسه لم تلغِها، إذ كان الأمل بأن ينجح «معتدلو» لبنان في إشغال حزب الله واستنزافه في الداخل، إلا أن هذا الرهان سقط أيضاً، أو أقله لم يُجدِ إسرائيل نفعاً ملحوظاً. في مرحلة لاحقة، وفي أعقاب أحداث أيار عام 2008، تراجعت النظرة الإسرائيلية أكثر من ذي قبل، حيال قدرات قوى 14 آذار وفاعليتها المباشرة ضد المقاومة، وكان الرهان الإسرائيلي على أن تتحول إمكانات هذه القوى لتمكين وتسليك مسارات المحكمة الخاصة بلبنان وقراراتها العدائية ضد حزب الله، إلا أن هذا الرهان أيضاً، كما يظهر، يسقط جراء الضربات التي تلقاها، وآخرها سقوط حكومة الرئيس سعد الدين الحريري.
مع ذلك، ورغم تواضع قدرات 14 آذار وإمكاناتها، وتقلص حجم إنجازاتها من ناحية فعلية ضد المقاومة، لن ينهي صانع القرار في تل أبيب رهاناته عليها، إذ لا يتوافر في القاموسين السياسي والعسكري الإسرائيليين، معنى للوقوف جانباً وعدم الحراك أمام انسداد الآفاق العسكرية ضد أعداء الدولة العبرية. ومهما كان فقر الأدوات المتاحة والمستخدمة، كما هي حال 14 آذار، فستُبقي تل أبيب رهاناتها قائمة عليها، حتى وإن بقي ضمن صفوف هذه القوى، مسؤول آذاري واحد. إن لم تتمكن هذه القوى من احتواء المقاومة، وهذا ما اتضح، فالرهان سينصبّ على إشغالها، وإلّا فعلى إزعاجها، أو على الأقل محاولة إبقاء حالة من العداء الداخلي قائمة وحية ضد المقاومة في لبنان، مع تحيّن الفرصة لاستغلالها لاحقاً. ويمكن القول إن الرهان الإسرائيلي على قوى 14 آذار سيبقى مستمراً، أقله من باب أنّه ليس لدى تل أبيب خيارات أخرى مجدية ضد المقاومة، حتى مع التأكد أن هذه القوى، غير مؤثرة تأثيراً حقيقياً.
يشهد عام 2011 مرحلة جديدة لم تكتمل معالمهما بالكامل، إلى الآن. ويبدو أنّ قوى 14 آذار باتت تدرك أن الداخل والخارج ينظران إليها باعتبارها قوى «عاطلة من العمل»، بعد سلسلة انكسارات نخرت عظامها، ولا يبعد أن يكون الهدف من «حشود» أمس في ساحة الشهداء، أيضاً توجيه رسالة إلى الداخل و«الاعتدال» العربي والولايات المتحدة، بأن هذه القوى ما زالت في المستوى الذي يمكّن من الرهان عليها. لكن السيف سبق العذل، فما لم يكن بإمكان 14 آذار أن تحقّقه في زمن اقتدارها، على فرض وجوده، لن تقوى على تحقيقه في زمن افتقارها. في موازاة ذلك يبقى الرهان الأميركي والإسرائيلي على مسارات المحكمة الخاصة بلبنان، باعتباره آخر ما في جعبتهما من أوراق ضد المقاومة.
 

السابق
آذار: المواطنون الشيعة
التالي
بري: افضل رد على ضجيج 14 آذار تشكيل الحكومة..وميقاتي: الكلام الذي ورد “يستدرج الفتنة”