أبعاد لا يمكن تجاهلها لاستعادة مشهد “الانتفاضة”

لم تتوافر "هدية" لقوى 14 آذار في الذكرى السادسة لانتفاضة 14 آذار 2005 افضل من تلك التي قدمها اليها رئيس التيار العوني العماد ميشال عون الذي احتفل مع انصاره بذكرى 14 آذار 1989 بقوله "ان هناك استدراجا للسلاح كي يستعمل في الداخل وهو يأتي في الخطاب التحريضي كي يجري ما جرى في 7 ايار 2008 واذا استدرج بيكونوا استحقوها" كما قال. فهذا الكلام في رأي مصادر مراقبة يؤذي "حزب الله" اكثر مما يخدمه كما يؤذي الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وقد اضطر النائب الحليف لميقاتي الوزير محمد الصفدي الى الرد على عون، كما يؤذي رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان باعتبار انه يقول ان الحزب هو القيم على ادارة البلد وليس هناك اي دولة ولا مؤسسات من اجل ان تمنع التحريض في حال التسليم جدلا بهذا المنطق وهو الذي يحدد ما الذي يجب ان يقال او لا يقال تحت وطأة لجوء الحزب الى استخدام سلاحه ضد المعترضين عليه كما يلوح عون. وهذا الكلام يعطي حملة قوى 14 آذار ضد وصاية السلاح في الداخل وفي وجه اللبنانيين صدقية من حيث التوقيت والمضمون على حد سواء ويؤكد صوابيتها باعتباره سلاحا فَقَدَ وجهته واضحى يُستخدم في الداخل ويستقوي الحزب به على شركائه في الوطن شأنه شأن حلفاء الحزب.  وقد استعادت قوى 14 آذار في الذكرى السنوية السادسة لـ"ثورة الارز" مشهدا اعتقد كثر انه لم يعد متوافرا بالقوة والزخم نفسيهما، في حين انه كان مفاجأة في الواقع لبعض اركان هذه القوى كما لقوى سياسية مراقبة رأت في المشهد الجماهيري استعادة قوية ومتكررة على نحو غير متوقع لمشهد انتفاضة 2005. وعامل المفاجأة يستند الى جملة امور من بينها ما يعتقد كثر انه احباط لدى شباب هذه القوى من قياداتها وخسارتها السلطة نتيجة مجموعة تنازلات لم تكن مرضية ومريحة لهم من جهة وتعب الشعب اللبناني عموما من الشعارات التي تستنفره من جهة اخرى بحيث لم يكن متوقعا ان تأتي حشود كبيرة من مختلف المناطق اللبنانية وليس من منطقة من دون اخرى وسط عجز لوفود كثيرة عن الوصول الى ساحة الشهداء وبقائها بعيدة على الطرق المؤدية اليها، علما ان عامل المفاجأة لدى البعض كان ايضا حجم الدعم لرئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية على نحو يشكل رسالة في حد ذاته. ونسبة الحشود الى الشعب اللبناني هي بمثابة النسبة نفسها للجماهير التي اسقطت انظمة عربية يقوم تعداد شعوبها على عشرات الملايين بما يجعل متعذرا على اي سلطة او حكومة ان تهمل هذا الواقع بما يطرح تساؤلات جدية عن كيفية امكان تعاطي الرئيس المكلف مع هذا المعطى الذي شكلته القوة الشعبية لدى المعارضة وكيفية تعاطي "حزب الله" نفسه مع قوى 14 آذار والحجم الكبير للبنانيين الداعمين لها.
فبحسب مصادر سياسية معنية، فإن هذا الواقع على الارض لا يمكن تجاهله. فهناك من جهة وبالنسبة الى الخارج على الاقل اسقاط منطق ان ما يحصل هو من منطلق خسارة الرئيس سعد الحريري السلطة ووجود خلاف بينه وبين الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بل هو انتفاضة في منطق الانتفاضات التي باتت تأخذ معنى جديدا لدى الدول العربية والغربية على حد سواء، انتفاضة ضد سلاح الحزب في الداخل ومحاولاته تغيير المعادلات والتوازنات السياسية التي قام عليها لبنان. و"الانتفاضة" ليست اعتراضا شخصيا بل هو تيار شعبي كبير يوازي الاكثرية التي انزلقت سياسيا وليس شعبيا الى قوى 8 آذار وفقا للمشاركة من كل الاطياف السياسية والطائفية. وتُسقط "الانتفاضة"من جهة اخرى الاتهامات التي ترمى في حق المعترضين على السلاح بأنهم يخدمون اسرائيل في مطالبتهم ما لم ترم هذه الاتهامات الى ان تأخذ أكثرية موصوفة من الشعب اللبناني الى قفص الاتهام بالتخوين او العمالة لاسرائيل ايضا. كما يُسقط البعد الذي تمتعت به هذه الانتفاضة المتجددة منطق الاتهام للمحكمة الخاصة بلبنان بأنها اسرائيلية وما شابه من اتهامات نتيجة تمسك اكثرية لا تزال موجودة وقائمة بالمحكمة والعدالة لمجموعة من الشهداء. اذ انه ليس خافيا ان المفاوضات التي اجراها الرئيس سعد الحريري من أجل السعي الى استيعاب تداعيات القرار الاتهامي والتي صمت خلالها فريق 14 آذار في هذه الفترة عن كل ما لحق بالمحكمة من اتهامات قد ساهم في اضعاف الدعم للمحكمة في حين ان الجواب اتى قويا وحازما بما لا يمكن لا الحكومة العتيدة ولا أي فريق ان يتجاهل ذلك او ان يقفز فوق مطالبة سياسية مدعومة شعبيا بالمحكمة ومعرفة الحقيقة. وهذا يشكل تحديا جديدا وان قائما امام الحكومة العتيدة.
الى هذه التحديات الاساسية ثمة مرحلة جديدة منها ما يستهدف تحديدا قوى 14 آذار ومنها ما يستهدف فيها "حزب الله". فبالنسبة الى قوى 14 آذار فان الامر الجوهري يكمن في ضرورة عدم نسيان هذه الحشود الداعمة التي تعود سنة بعد سنة لتؤكد استمرارها في دعم الخط السيادي والاستقلالي ولقيام الدولة مع التزام عملاني لضرورة الذهاب الى الحدود القصوى قي معركة بناء الدولة ليس عبر الصراع السياسي بل ايضا في الادارة والاقتصاد وأمور المجتمع والناس. وبالنسبة الى "حزب الله"، فان السلاح الذي بين يديه غدا مشكلة داخلية لا يحلها إدراج عبارة "الجيش والشعب والمقاومة" في البيان الوزاري لكي ينال شرعية رسمية بل ان الرسالة التي وجهتها انتفاضة قوى 14 آذار المتجددة تدحض من جهة هذا المنطق وتفرض ان يجد الحزب حلا للمحافطة على سلاحه من ضمن اطار الدولة وبما يخدمها ويبعده عن التحول الى أزمة دائمة ولتغيير الوجه السياسي للنظام اللبناني.
 

السابق
سليمان راقب ساحة الشهداء
التالي
ما بعد التظاهرة