مشكلتنا مع الحريري

تبدو «الردود المسلّحة» على حملة «لا لوصاية السلاح» أعجز من الردّ عليها. لا بل هي في الواقع والفعل، تدعمها وتؤازرها في غرضها الوحيد.
يكفي أن تتصفّح «كتاب الوجوه» ذاك، أو «فايسبوك»، الذي صار الساحة الفضلى للتحارب الاجتماعي عندنا، لتدرك منسوب العداء والحقد والتحريض، ممّا نجحت تلك الحملة في ضخّه. ذلك أنّ التبصر (والمفردة رائجة هذه الأيام) ولو قليلاً، واجب حيال سؤال بسيط: ترى، ما هي الغاية القصوى من الحملة الحريرية ومن التظاهرة الآذارية ومن الخطة البديلة، بعدما جُنّ البعض بسبب فقدان جنة الحكم؟ هل يتصوّر عاقل ما أنه يوم الاثنين المقبل، سيدعو حسن نصر الله سليم دياب مثلاً، ليسلّمه صواريخ حزب الله؟ أو أن حجم حشود غد الأحد، سيدفع دايفيد بترايوس إلى قلب أولوياته من كابول إلى بيروت؟ أو أنّ صندوقة الاقتراع ستكون خلف باب الأسبوع أو الشهر، لتحشوها غددية خطباء الساحة باللوائح العمياء، فتفوز مرة ثالثة بشعار مثير، تماماً كما فازت سنة 2005 بالتحالف مع «القاتل» ـــــ كما لمّح ذات مرّة أحدهم ـــــ وكما فازت مرة ثانية بمقولة «ما بيرجعوا والسما زرقا»، قبل أن يذهب «إليهم» الحريري في اليوم التالي معانقاً مقبّلاً معتذراً عن زور وفجور؟
كل المنظّمين لتظاهرة غد يدركون أن شيئاً من هذا لن يحصل. وكلهم على يقين من أنّ الغرض الوحيد الممكن ممّا تخطّط له أيديهم وصدورهم والجيوب، هو أن تصير الفتنة السنية الشيعية في لبنان أمراً تضج به بيروت ومحيطها. وأن تبلغ نارها مسامع دمشق ومكامنها. هناك، حيث لا يزال يتذكّر الآذاريون كلاماً لرفيق رحل عنهم، عن «قلة عابرة»… فكيف في لحظة إقليمية يحسبونها هادرة في الشوارع «السنية» بالثورات والانقلابات؟ فيهتزّ حكم بشار الأسد، ويسارع إلى مخاطبة الحريري، أو أولياء أمره، داعياً إلى التسوية والتهدئة والبازار مجدّداً.
 كل الرهان غداً على أن تحترق بيروت بنار عتيقة من عمر قرون أربعة عشر مضت، فتخاف دمشق من امتدادها، وتقدّم التنازلات لصالح مُشعل النيران ومُوقد مرجلها، بكلام من نوع «نحن أهل السنة» في «مواجهة حكومات الضباط»، ومن نوع «إننا نحن نحتاج إلى كل مسلم أصولي».
هذا الغرض الحقيقي من الحملة هو ما وجب أن يكون الردّ عليه. وألّا يكون ردّاً مسلّحاً، ولا مذهبياً، ولا فتنوياً، ولا داعماً له، عن جهل أو عن خبث. فيقال لسعد الدين الحريري، إنّ حربك بواسطة فقراء بيروت وطرابلس وعكار، تماماً مثل حرب القذافي اليوم، بشعارات «أمن إسرائيل» و«محاربة القاعدة». وإنّ استجرارك للمسحوقين من الضنّية والبقاع الغربي، دفاعاً عن قصورك وتبريراً لقصورك، هو تماماً كما لو أن صديقيك جمال وعلاء، فكّرا باستجرار نزلاء سجونهما لضرب المنادين بتحريرها في ميدان التحرير. فالمشكلة، معك ومع حكمك، لم تكن حول السلاح الذي قال وليد جنبلاط إنك استقدمته واستعملته بالآلاف… ولا حول السيادة التي اغتصبت مع عائلتك خمسة عشر عاماً، مع مفتاح غازي كنعان ومخادع غازي كنعان خزنة درويش التي فتحت أسرارها لمحقق غريب، كي تظل أو تعود كلمة السر لتحقق سلطتك الغريبة والمتغربة.
المشكلة معك هي في 219 ألف متر مربع من ردميات سوليدير، قيمتها اليوم نحو 12 مليار دولار، سُرقت بقيمة 450 مليوناً عينية، لمجرد تنفيذ بنية تحتية لشارعين في بيروت.
المشكلة معك في أكثر من 300 ألف إنسان أضيفوا إلى ديموغرافيا «المناصفة» التي تتحدّث عنها، لا على قاعدة الاستحقاق بل الاستتباع.
المشكلة معك في حلّ عادل لنصف مليون إنسان فلسطيني، يقول البطريرك الذي تقول عنه إنه ضمير لبنان، إن هناك في لبنان نفسه من يريد توطينهم فيه.
المشكلة معك هي حول نحو 32 مليون متر مربع من أرض الوطن، باتت مبيعة إلى الجهة الخارجية العائلية والثيوقراطية والمتخلفة، التي كتب عنها أحد منظّريك قائلاً إنها المعنية بكم وبجماعتكم.
المشكلة معك هي في شركة نفايات تمتصّ من غذائنا أكثر من مئة مليون دولار سنوياً، وفي سوق حرة تأكل مثلها بحرّية فوق القانون، وفي خلوي أضاع على البلاد نحو مليار دولار، وفق أرقام تعود إلى عقد مضى، ووفق ملفّ ينام عند مدّعيك والمدّعين، وفي مئات الملفّات المماثلة.
المشكلة معك أنك تبدو وكأنك تريد القفز فوق المشكلة، مستخدماً دماء بعض أحبّتنا، وبعض الذين بكينا عليهم الدمع والدم.
فوق ذلك، أما من مشكلة لنا مع السلاح؟ طبعاً وقطعاً. غير أن مثلاً فرنسياً، من بلاد صديقكم شيراك، يقول: إن القرار هو أن تكون قاسياً في اللحظة. مشكلة السلاح؟ إنها مسؤولية من زيّن لك أن تنقضّ على تفاهم مار مخايل، وأن ترفض تكريسه في الواقع والمؤسسات والمرجعيات. فالوقت، مثل مياه النهر، لا تلتقطه مرتين… أبداً.
 

السابق
الصدّيق يكتب تاريخ لبنان!
التالي
إسرائيل تعتّم على اختطاف مهندس فلسطيني في أوكرانيا