عودة إلى لغة الملايين؟

في 2005 هجم "السنة" ودافع "الشيعة" واليوم يحصل العكس
"لأ للسلاح" هو الشعار الذي تقدّمه قوى "14 اذار" الى اللبنانيين عشية الذكرى السادسة لثورة الارز. وهو شعار "ثورة الارز2" بحسب ما يرد من اصطلاح جديد على ألسنة المنضوين في المعارضة الجديدة. هذا انطلاقا من ان يوم 13 اذار 2011 يحاكي يوم 14 اذار 2005 من موقع اللحظة التأسيسية. ففي العام 2005 كانت انتفاضة المعارضة البرلمانية وغير البرلمانية في وجه سلطة الوصاية السورية والحكم والحكومة آنذاك، من اجل الانتقال الى حكم وحكومة جديدين متحررين من سلطة الوصاية. وفي 2011 تتصدى المعارضة البرلمانية غدا لما تعتبره الوجه الآخر لسلطة الوصاية المتمثلة بالسلاح، على ما تقول. وبين العامين المذكورين كان المشهد مختلفا: 14 آذار في الحكومات التي تعاقبت كانت مشاركة وشريكة في رسم المشهد الحكومي، ومتفردة في هذا الحيز لعام ونصف العام. ولكن هل يحقق "لأ للسلاح" "العبور الى الدولة"؟
"لأ للسلاح" اليوم بديلا من "لا لسلطة الوصاية" السورية قبل ستة اعوام. بديل يجد صداه لدى اللبنانيين. لكنّ صدى الانقسام في الشارع يقع بين مؤيد مغال في تأييده، وآخر مغال في رفضه. "لأ للسلاح" لن يحظى بالاجماع الشعبي الذي لاقاه شعار رفض الوصاية السورية على لبنان. اذ أنّه رغم نفوذ الاجهزة الامنية والسياسية السورية إلا أنّ معظم اللبنانيين كانوا يرحبون – في الحد الادنى – بانسحاب القوات الامنية السورية واجهزتها من لبنان في العام 2005، الأمر غير المتوفر لثورة الارز2 وشعارها.
بالتأكيد تدرك المعارضة الجديدة هذه الحقيقة، وتتوقع ان يلاقي هذا الشعار ردود فعل شاجبة من الاكثرية وحزب الله تحديدا. وهي، اذ تقبل على هذه الخطوة، تسلم بأن ما توافر لثورة الارز الاولى من التفاف شعبي عابر للطوائف في العموم لم يعد هو ذاته اليوم. فقد تغيرت الصورة وتعدل المشهد الجامع وتراجع. تعديل لا يعني انعدام القدرة على الحشد الجماهيري. فالمعترضون على السلاح ليسوا قلة في لبنان، خصوصا عندما شاهد اللبنانيون ان دائرة نفوذ هذا السلاح ودوره تجاوزا حدوده العسكرية في مواجهة اسرائيل، ليصلا الى التأثير في المعادلة السياسية الداخلية. وشكل استبعاد الرئيس سعد الحريري عن موقع الرئاسة الثالثة مشهدا مستفزا لفئة واسعة من اللبنانيين، خصوصا في أوساط الطائفة السنية. هذا بقدر ما بعثه من شعور بالنصر والاعتداد لدى فئة مقابلة من اللبنانيين، خصوصا في جمهور شيعي كبير، ولدى انصار العماد ميشال عون من المسيحيين.
كذلك في المقابل كانت تدرك المعارضة السابقة، ان ما اقدمت عليه على صعيد الرئاسة الثالثة سيؤدي الى تصعيد المواجهة وجعل السلاح رأس حربة المعارضة الجديدة للرد على ما جرى انطلاقا من قراءتها التي تدرج هذه القوى في سياق مشروع اميركي لاستهداف حزب الله . وبالتالي تتوقع ان الرئيس الحريري وحلفاءه لن يعدموا وسيلة كي يظهروا فداحة ما اقدم عليه حزب الله وحلفاؤه. وذلك لعلمها ان المحاذير المحيطة بخطوة استبعاد الحريري، بما يمثل، عن الحكومة، كانت متداولة ومعروفة. وهذا ما يفسر المفاجأة لدى الكثير من المراقبين وسواهم، حين تمت تسمية بديل منه لرئاسة الحكومة.
من هنا يمكن القول ان حزب الله بات يسبق خصومه في تأكيده ان لا اجماع على "السلاح". والرئيس نبيه بري حسم النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية، عندما قال لصحيفة الجمهورية قبل ايام ان معادلة الشعب والجيش والمقاومة في البيان الوزاري حسمت هذه الاستراتيجية. وبالتالي فإن هذا الحسم في شأن تجاوز الحوار او تهميشه من خلال عدم تنفيذ مقرراته المتصلة بالسلاح الفلسطيني، أو ترسيم الحدود مع سورية، والمحكمة الخاصة بلبنان، كل ذلك أمّن الارضية الملائمة لقوى 14 اذار كي تدخل في هذا المدخل المحفوف بالنار.
قد تحشد قوى 14 اذار جمهورا كبيرا يردد مع خطبائها شعار "لأ للسلاح". وهذا الحشد سيكون محكوما لمعادلة باتت شديدة الوضوح، لجهة التنافر والتنابذ مع جمهور مقابل. ففي 14 اذار 2005 احتمى حزب الله بعصبية شيعية وغذاها، روجت في ذلك الحين ان ثورة الارز ستعيد الشيعة الى مجرد عمال في مرفأ بيروت، او ماسحي احذية كما قال السيد حسن نصرالله في تلك المرحلة.
لكن يبدو ان الرئيس الحريري وحلفاءه يتقمصون الموقف ذاته اليوم: الاستقواء على السنّة وتهميشهم هو ما يشكل اليوم رافعة لثورة الارز2 كما فعلت مقولة الانقلاب على الشيعة في 8 آذار. وثمة من يقول ان حزب الله سيمهّد لانطلاقة الحكومة العتيدة باحتفال شعبي يدعم انطلاقتها، ويرد من خلالها بحشد مضاعف على ثورة الارز2. وثمة من يؤكد ان الرد على الرد سيأتي اذّاك في ذكرى الانسحاب السوري في 28 نيسان. والمناسبات لدى الطرفين تعج بها الشهور المقبلة …الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا.

السابق
13 آذار: هل تهزم السلاح؟
التالي
طائر يغرد خارج سربه