هل تشمل رياح التغيير لبنان الذي سلّم حرياته وطوّقته الطوائف؟

حين أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في جسده، ربما لم يكن يعلم أن نار الثورة ستمتد من جسده لتشعل تونس، ثم تمتد إلى مختلف أنحاء الأمة العربية، المتحرقة إلى التخلص من الظلم والاستبداد والفساد المطبق عليها منذ عقود.
بعد تونس، اشتعلت مصر واليمن والبحرين وليبيا وعُمان والجزائر والأردن والعراق… كهبة رجل واحد، نزل الناس إلى الشارع للتنديد بالأنظمة والعمل على إسقاطها.
كان جسد البوعزيزي كالشرارة التي أوقدت النار على امتداد الوطن العربي، بعدما عُرّف، ولعقود، على أنه عصيّ على الديموقراطية والحرية، في كلام موثق في دراسات وأبحاث غربية عدة.
أما في لبنان، ومنذ انطلاق الثورة الأولى في تونس، فبقي يعيش على وقعه الخاص، يتخبّط في مخاض تشكيل حكومة جديدة، يتجاذب مقاعدها وحقائبها زعماؤه المتعددون، يحتكرون بعضها ويطالبون ببعضها الآخر باسم طوائفهم، وهو «حق» لا يكفله الدستور وإنما عرف يتوارثونه منذ نشوء الجمهورية الأولى.
لم يُقدم هؤلاء الزعماء ولو على خطوة إصلاحية واحدة بعيد انطلاق الثورات في البلاد المجاورة، على غرار ما حاول فعله زعماء بعض الدول العربية كإجراءات استباقية خوفاً من انتفاضات الشعوب ومحاسبتها، أو لاحقة على اندلاعها.
فالساسة في لبنان لا يشعرون بأي تهديد، إذ يحميهم نظام طائفي محكم، وهم يدركون أن أي انتفاضة على ذلك النظام تستلزم انتفاضات على أكثر من طائفة، وأكثر من مؤسسة، وأكثر من زعيم، وهم بالتالي يستمدون قوّتهم من تعددهم.
ويعلم الزعماء أيضا أن أي مجموعة طائفية هي أضعف من أن تنتفض على النظام بمجمله، طالما أن الزعيم يُسوّق لها على أنها مستهدفة كطائفة.
وعلى الرغم من ذلك، تنظّم مجموعات من الشباب مظاهرات يطالبون من خلالها بإسقاط النظام الطائفي، ويعتبرها البعض رمزية وغير فعّالة، بينما يرى فيها بعض آخر خطوة أولى يجب أن يبنى عليها بجدية للتحول إلى دولة علمانية لا طائفية.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت بعض الجهات تنشط في تنظيم الندوات والجلسات الحوارية لتدارس كيفية التخلّص من النظام الطائفي الحالي وإيجاد بدائل له.
في الأمس القريب، كان يُردّد بين الحين والآخر أن لبنان «يصدّر» الديموقراطية إلى البلدان العربية. لكنّ الأحداث العربية الأخيرة «عرّت» لبنان، وأظهرت واقعه بصورة أصدق وأكثر واقعية. هي صورة البلد الذي يسخّر «حرياته» الإعلامية في خدمة زعمائه وطوائفهم. هو المغارة ذات الأربعين حرامي، حيث الفساد يضرب المؤسسات الرسمية بجميع متفرعاتها الموزعة أصلا على الطوائف وزعمائها بفعل المحاصصة، فإذا اكتشف واحد منهم فساداً في «دويلة» زعيم آخر تكتم، خوفاً من أن يكشف هذا الآخر هدراً في «دويلته».
فجأة، نقضت الدول العربية ما أُخذ عليها من أنها حصن منيع على الحرية، وفجأة، ظهر لبنان بصورته القبلية، مستمداً من القبائل – الطوائف توازنه، وهي تحكم قبضتها على الشعب ولقمة عيشه. وإذا كان على كل بلد عربي إسقاط زعيم واحد، لتسقط معه حاشيته، فإن على الشعب اللبناني قيادة ثورة ضدّ نظام أخطبوطي يغذّي أكثر من زعيم (البعض يفكّر بإسقاطهم على قاعدة «6و6 مكرّر» كي لا تعتبر ثورة ضدّ طائفة معيّنة).
في جميع الأحوال، يبدو أن آذار لبنان 2011 لن يختلف عن أشهر آذار التي توالت منذ العام 2005. لكن ما بات معلوماً هو أن العديد من اللبنانيين ضاقوا ذرعاً بالنظام القائم، ولو لم يعترفوا بذلك علناً. ذلك هو على الأقل ما يتحدّث عنه أربعة من الباحثين السياسيين هم الدكتور رغيد الصلح، والدكتورة فاديا كيوان، والدكتور كرم كرم، والدكتور مصطفى اللباد.
يجمع الأربعة على أن النظام الطائفي هو علّة لبنان منذ تأسيسه وأن الديموقراطية التي طالما ميّزته بين «أشقائه»، ما هي الّا ديموقراطية مقنّعة.
خطوة أولى على الطريق…
كان على لبنان أن يؤدي دور المصدّر لديمقراطيته إلى الدول العربية الأخرى فإذا بالأحداث الأخيرة تجعل البعض يتمنى أن يستوردها منها. فهل فعلاً سيتأثر لبنان بالتطورات المحيطة به أم أن حكم الطوائف سيبقى هو الأقوى؟ وكيف تحرّكت شعوب تلك البلاد لنيل حريتها وإسقاط أنظمتها الطاغية، وكيف يتعين على لبنان أن يتحرّك لينعم شعبه بديموقراطية وحرّية حقيقيتين؟
يبدأ الباحثون الأربعة من حيث وصلت إليه حركات التحرّر في كل من مصر وتونس والبحرين وليبيا واليمن، مؤكّدين أن ما توصلت إليه كل من تونس ومصر ليس سوى التحرّر من أنظمتها الحاكمة، أما مسيرتها نحو تثبيت الديموقراطية فما زالت طويلة.
لا تخفي رئيسة معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف فاديا كيوان أنها لم تكن تتوقع حدوث الانتفاضات العربية «لا بتوقيتها ولا بحجمها»، وذلك على الرغم من أنها كانت ترفض النظريات الغربية التي كانت تنظر إلى الدول العربية كحالة استثناء بالنسبة لإرساء الديموقراطية، و تحاول أن تفسّر أن الاستثناء لا يعود إلى خصوصية في الذهنيات الشعبية بل إنه وليد التدخلات الخارجية لاسيما من قبل الدول العظمى.
بدوره، يعتبر الباحث في العلاقات الدولية وقضايا الديموقراطية الدكتور رغيد الصلح أن تلك النظريات الغربية سقطت، وأن المجتمعات العربية برهنت أنها غير راكدة كما كان يسوّق عنها، بل إنها قابلة للتحول الديموقراطي، مضيفا أنه في المرحلة السابقة كان ينظر إلى لبنان كنموذج مختلف عن غيره من الدول العربية وأنه يمتلك خصوصية تجعله أكثر قبولاً للديموقراطية، ولكن «مع انتفاء الخصوصية العربية انتفت الخصوصية اللبنانية، وقد برهنت الشعوب العربية أنها شعوب متغيّرة وتطالب بحقوقها أحياناً أكثر من اللبنانيين».
ومما لا شكّ فيه أن وسائل الاتصال الحديثة ساعدت انتفاضات الشعوب، وقد استخدمتها بحسب الباحث في العلوم السياسية الدكتور كرم كرم ليس فقط في المعرفة والاطلاع على ما يحدث، بل أيضاً في تنظيم نفسها داخلياً.
غير أن تلك الشعوب لم تكن لتتحرّك بشكل واعٍ، يضيف، لو لم تكن قد راكمت معرفة بوضعها ووضع المنطقة والعالم على الأقل منذ مطلع الألفية. وهي بالتالي استخدمت تلك المعرفة في قراءة واقعها من منظار نقدي واكتشاف حالتها، كما في مراقبة التغيير ووسائله في مجتمعات أخرى.
ولعلّ ما حدث، بحسب كرم، هو «انتقالها من واقع التفكير النظري بواقعها إلى التطبيق الفعلي من دون «بروفا». وتكوّن الرأي العام لدى تلك الشعوب من دون تنظير «لأن الوضع المتردي تفاقم لدرجة لم تعد بحاجة لتنظير، بل إن الوعي الكافي للحالة التي وصل إليها الشعب هو الذي قاده إلى كيفية التحرّك».
غير أن الثورة التي دفع ثمنها الشعبان التونسي والمصري دماء وشهداء، لم توصلهم إلى الديمقراطيات بعد، إذ يشير الصلح إلى أن تلك الثورات أسقطت الاستبداد لكنها لم توصل إلى فاعل ديمقراطي منظور، «وذلك بسبب غياب قيادات فاعلة أو أحزاب ديموقراطية تؤدي دور الموجّه»، مؤكداً أن هناك وعيا لدى الشعبين بوجود فراغ، إلا أنهما لا يمتلكان صورة واضحة لكيفية الوصول إلى بديل ديمقراطي.
وهو يؤكد، كما كرم، أن مسار إعادة البناء هو مسار متعثر، ومعرّض لانتكاسات، على حدّ تعبير كرم.
وتسجّل كيوان ملاحظتين حول ما حدث. فهي تعتبر أولاً أن تلك الثورات هي ثورات للحرية وهي تسبق الثورة للديموقراطية، بمعنى أنها تشكل تمهيداً لانفلات الآراء من القيود وأشكال القمع للدخول في نقاش سياسي حقيقي، وستتبعها منافسة بين نخب لإنتاج البرامج السياسية تمهيداً للوصول إلى الديموقراطية.
وتعتقد، ثانياً، أن تونس بدت أوضح في مسيرة تطهير الدولة من مخلفات نظامها السابق. بينما «نلتمس في مصر قلقا أكبر لدى الفئات الثائرة على مستقبل الثورة من النظام السابق».
يضاف إلى ذلك ثلاث ظواهر كشفت عنها الثورات، بحسب كيوان. أولها ظاهرة دخول الإسلاميين إلى ميدان الثورة، بعدما كانت الأنظمة القمعية تصورّهم على أنهم مصدر للخوف لممارسة أساليبها القمعية ضدّهم، على أساس أنهم مصدر للإرهاب. وقد برهنت الأسابيع الأخيرة، كما تقول كيوان، كيف بالغت تلك الأنظمة بطرح حجم الإسلاميين وظلمتهم بربطهم بالإرهاب.
لكن للصلح رؤية مختلفة في هذا المجال، إذ يعتبر أن الإخوان المسلمين ظهروا أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك وكأنهم المعارضة الوحيدة «وهم، وإن شاركوا في الثورة ضدّ نظامه، فإن موقفهم من الديموقراطية يبقى غير واضح على غرار مختلف الأحزاب الدينية في المنطقة التي لم تصل إلى مرحلة تقبّل الديموقراطية».
إلى ظاهرة الإسلاميين، تسجّل كيوان ظاهرة دخول النساء إلى حلبة العمل السياسي في كل من تونس ومصر والبحرين، عبر مشاركة صريحة وواضحة. وهي ترى أن الكلام عن حقوق الإنسان «لا بدّ وأن ينسحب على إقرار حقوق المرأة، أي الحقوق الشخصية لكل الناس». كما تعتبر أن الانتفاضات فتحت الباب أمام نقاش من نوع آخر في حقوق المرأة – الإنسان، وإن «شرعية أي نظام سينتج في تونس أو مصر أو البحرين سيرتبط بإشراك النساء في النخب الحاكمة».
تلك الظاهرة لا تنسحب على اليمن، حيث الخوف من حرب أهلية بسبب لعب أسياد النظام على وتر الولاءات العشائرية والقبلية. كذلك الأمر بالنسبة لليبيا، تضيف الباحثة، حيث النقاش يدور بين نخب ذكورية، ليس لبزوغ فجر الديموقراطية بل للبحث في الحقوق الأساسية للفرد.
أما الظاهرة الثالثة، التي يتوافق عليها الصلح وكيوان، فهي ظاهرة التحالف مع الجيش في ظلّ غياب للرافعات المؤسساتية. تقول كيوان «هناك اتجاه عاطفي للارتماء في أحضان المؤسسة العسكرية التي هي في الوقت نفسه جزء من الشعب بضباطها وعساكرها من الأجيال الجديدة، كما هي جزء من النظام المخلوع من خلال قياداتها. لكن الشعوب الثائرة لا تملك بديلاً عن التحالف مع المؤسسة العسكرية وذلك خوفاً من الانفلات الأمني، لاسيما وان الاستقرار الأمني مسألة جوهرية في تلك المرحلة».
إلى ذلك، تعتبر كيوان أن وضع دول الخليج يختلف عن مصر وتونس، لأسباب عديدة أبرزها أهميتها الجيو- استراتيجية التي يفرضها النفط. كما أن الدول الخليجية تأسست على يد أسر حاكمة «ما ربط كيان الدولة بدور الأسرة، الأمر الذي يعطيها مشروعية في تكوين الدولة».
يضاف إلى ذلك النسيج الاجتماعي القائم على العشائرية والقبلية وفي بعض الأحيان الطائفية، «ما يجعل الحركات الاحتجاجية تتجه أكثر إلى المطالبة بالإصلاح وليس بالتغيير، بمعنى أن تتحول الملكية إلى ملكية دستورية. لأنه بخلاف ذلك يمكن للمطالب أن تنتج حروبا وفتنا داخلية»، بما يحدّ من حرية الحركات المطلبية في تلك الدول.
ما الذي يمنع الثورة في لبنان؟
يعتبر كرم أن الدول العربية تتشابه بالتاريخ الحديث في المدى المنظور، لكن ما يؤثر في اختلاف حراكها اليوم هو المسار الطويل لتاريخها، «من هنا نفهم ردة فعل العقيد معمر القذافي على الثورة في ليبيا، التي هي أكثر دموية من الدول الأخرى. ومن هنا أيضاً نفهم إمكانية تفكيك المجتمع في البحرين واليمن بينما يبدو أكثر تماسكاً في بلدان أخرى كتونس ومصر».
لكنّه في المقابل، يرى أن هناك أوجها بارزة موّحدة لأزمة الأنظمة التسلطية في الوطن العربي، معتبرا أنه «لم يعد لتلك الأنظمة شيء تقدمه لشعوبها». وقد أتت جميعها بمعادلات شبيهة تقوم على أمرين أساسيين، وهما تكفلها بالتحرير والنضال السياسي سواء في وجه المستعمر أو في وجه إسرائيل، وتكفّلها بالتنمية الاجتماعية الاقتصادية للبلد، في مقابل أن يدين لها الشعب بالولاء الكامل.

غير أن تلك الأنظمة، والكلام لكرم، عجزت في كلا القضيتين، لاسيما في ما يخص الصراع العربي الإسرائيلي. كما تبيّن أن الشعوب العربية متراجعة في ميادين مختلفة أبرزها مجالا العلم والتقدّم، وهو ما يقود إلى التثبت من أن الأنظمة التي وعدت بالتحرر أوقعت شعوبها في هيمنة من نوع آخر «لاسيما وأن سياسة الانفتاح الاقتصادي التدريجي لم يكن لها وقع إيجابي على الجماهير، ولم تعد بالنفع على الشعوب بل على الأنظمة وحكامها».
ألا توصّف تلك الحالة الواقع اللبناني؟ «بالتأكيد نعم، فالصراع واحد والتأخر العلمي واحد، تماماً كما أن الفوائد الاقتصادية حتماً لا تعود للشعب».
إذاً ما الذي يمنع الثورة في لبنان؟
يجيب الصلح أن حركات التغيير في لبنان تصطدم بالحاجز الطائفي، على الرغم من أن اللبنانيين يبالغون بتقدير العامل الطائفي الذي لا يشكل سوى جزء من المشكلة. فهناك برأيه، مشكلة تضافر الزعامة مع المشروعية الدينية، وتضافرها في الوقت نفسه مع المشروعية السياسية. كما أن المواطنين غير الطائفيين لم ينتزعوا لهم مكان في المنظومة السياسية. ويضاف إلى ذلك عدم تأدية الطبقة البرجوازية دوراً للانتقال إلى الديموقراطية على غرار ما فعلته تلك الطبقة في المجتمعات الصناعية.
بالنسبة لكيوان، لن يتأثر لبنان بالاتجاه العربي الحاصل، بسبب انقسام شعبه بين فريقين، يحتشد كل منهم ضدّ الآخر فيما التغيير غير منشود. كما إن النظام الحالي لا يسمح بتشكيل قوى تغيير حقيقية على الرغم من أن «فكرة التغيير قد تسكن وجدان أي مواطن في كلا الفريقين، كما تسكن وجدان مواطنين غير مصطفين».
من جهته، يلفت مدير «مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية» في القاهرة الدكتور مصطفى اللباد إلى أن الحراك الميثاقي بين الطوائف ومن ضمنها في لبنان، يذبح توافق اللبنانيين على تحررهم. وهو يعتبر أن النظام الحالي، ولو أنه يكفل تمثيلاً للبنانيين عبر طوائفهم، إلا أنه غير صحيح، «وقد آن الأوان لهذا أن ينتهي وإلا سيبقى العرف حاجزاً أمام توحد اللبنانيين على تحرّرهم».
وبالمقارنة مع الحالة التونسية والمصرية، يشير اللباد إلى أن الحالتين لم تبرهنا عن اختلاف في الأيديولوجيات لدى كل من الشعبين، ولإحداث التغيير في لبنان لا بدّ من توحيد الإيديولوجيات. وهو يلحظ أن النموذج اللبناني متحرر أصلاً من مركزية القرار، على عكس تونس أيام زين العابدين بن علي، ومصر أيام حسني مبارك، «لأنه لا يمكن لرئيس الدولة أو رئيس الوزراء أن يفرض قرارا إلا بعد توافق مختلف الأطراف عليه»، مسمياً ذلك بالديموقراطية التوافقية – الطوائفية التي هي أساس النظام اللبناني.
لكرم توصيف مختلف للحالة اللبنانية يسميها باللاوعي الجماعي. وما يعنيه، عدم وعي اللبناني لوضعه العام كمواطن كما للمصلحة العامة. يقول «وعينا هو وعي طائفي مستزلم، وقد تمأسست الطائفية في النظام، من هنا لا يمكن اتهام زعيم واحد، بل كلهم متهمون. ولكن قبل اتهامهم، يجب أن نعرف أننا شركاء في تكريس هذا النظام وبالتالي فإن أي ثورة يجب أن تبدأ على الذات».
مع هذا يتفق كرم والصلّح على أن هناك ومضات في التاريخ اللبناني حملت معها رياحاً تغييرية ولو أنها لم تتكرس. من الأمثلة يورد الصلح حالة الرئيس فؤاد شهاب التي صنعت المؤسسات لكنها لم تؤسس لما بعدها. ومن التاريخ الأقرب، يورد كرم مظاهرات العام 2005، «حين برهن الشعب اللبناني عن جهوزيته للتغيير والتحرّك كمواطن للمطالبة بالأولويات، قبل أن يتم الالتفاف عليه مجدداً عبر إعادة ضخّ المخدّر الطائفي فيه وشلّه من جديد».
هناك خطوات عدّة، يعتبرها الباحثون الأربعة مهمة للتخلّص من صيغة النظام الطائفي اللبناني الذي يرون فيه علّة التقدم والتطور الاجتماعي والاقتصادي في لبنان.
بالنسبة للّباد، ليس المطلوب في لبنان إسقاط الدولة بل إسقاط آلية الطائفة عند الدولة وبالتالي إسقاط زعماء الطوائف جميعاً. وهو يلحظ أن الطوائف اللبنانية مسلّحة ما يجعل خطر الحرب الأهلية أكبر، بما يعزز من أهمية توافق جميع اللبنانيين على إسقاط المنظومة الطائفية.
أما الصلح وكيوان فيعتبران أن التغيير ممكن أن يبدأ من قانون الانتخاب، الذي تراه كيوان يتبع النسبية، والصلح إلزامياً لكل المواطنين، بالإضافة إلى قضية تنزيه الإدارة…
تؤكّد كيوان أن اللبناني كان ينعم بالحريات الديموقراطية، ولكنه سلّمها تسليماً. وهو ما يترجمه الصلّح بالقول «الريح الديموقراطية ظاهرة عالمية، يقاومها لبنان بشدّة».

السابق
صور تعتصم ضد “النظام الطائفي الفاسد”
التالي
رفسنجاني: نهاية نظام