هل السلاح هو عنصر القوة الوحيد لـدى “حزب الله”

رفع سعد الحريري سقف تصعيده ضد سلاح المقاومة حتى بلغ نقطة اللاعودة، وربما الآتي من تجمع «13 اذار» قد يكون اكثر حدة مما سبق. وبصرف النظر عما اذا كانت دوافع زعيم تيار المستقبل انتقامية ردا على إخراجه من السلطة، او سياسية منطلقة من اعتبارات غير محلية، فإن هجوم الحريري على «حزب الله» اظهر وكأن عنصر القوة الوحيد الذي يملكه الحزب هو هذا السلاح الذي نسبت إليه كل الموبقات والارتكابات والجرائم السياسية وغير السياسية. على ان ما تقدم، يفرض ملاقاة هجوم الحريري بالسؤال التالي: هل ان هذا السـلاح هو عنصر القوة الوحيد الذي يمتلكه «حزب الله»، وهـل ان يديـه فارغتـان ام انه يمتلك اوراق قوة اخرى وفعاليتها اكبر من السلاح؟
لا يختلف اثنان على الفعالية التي يمتاز بها سلاح «حزب الله» وعلى قدرته على فرض وقائع جديدة كالتي حققها ابان الاحتلال الإسرائيلي للجنوب وتوجها بالتحرير في العام ألفين ومن ثم برد حرب تموز 2006، ولكن اذا ألقيت نظرة جدية على الواقع المشكو منه من قبل الحريري يتبيّن ان هذا السلاح هو واحد من عناصر قوة متعددة يمتلكها «حزب الله» وكان لها تأثيرها المباشر والفعال في تغيير قواعد اللعبة الداخلية.
هناك من يقرأ في الهجوم الذي بدأه الحريري على السلاح حصرا نوعا من التضخيم والمبالغة الهوليودية ومحاولة لعرض عضلات شعبية تحجب انظار الجمهور عن الكثير من نقاط الضعف المتفشية في جسم «14 اذار»، وعن نقاط القوة الموجودة لدى «حزب الله» بمعزل عن السلاح.
وفي تقدير المتابعين فان نقاط القوة الموجودة لدى حزب الله، تكمن في المواضع التالية:
– كان يراد للمحكمة الدولية، أن تكون أداة لبنانية وعربية ودولية للنيل من الحزب، لكنها سرعان ما تحولت الى قابلة قانونية ولاّدة لكثير من نقاط القوة لدى «حزب الله»، وفي الوقت نفسه، للمزيد من نقاط التراجع والإرباك في فريق 14 آذار، وكل ذلك بسبب السقطات المتتالية للتحقيق وانفضاح التسييس والتزوير والتسريب وتجارة المعلومات والإفادات والتعديل المتتالي لقواعد الإجراء والاثبات وابتداع المحاكمات الغيابية والشهادات المكتوبة.
وقد جعلت تلك السقطات التحقيق برمته في موقع الباحث عن قشة يتعلق بها ويحاول عبثا رفع التهمة عنه، كما فعل رئيس المحكمة انطونيو كاسيزي في تقريره الأخير قبل ايام، حيث ابرز فيه كم ان تلك المحكمة بحاجة الى ما يمنحها ولو قليلا من نزاهة تفتقدها، حينما استشهد بواقعة قرار الإفراج عن الضباط الأربعة على أنها دليل قاطع على نزاهة المحكمة، إلا انه بهذه القرينة الملتبسة لتأكيد النزاهة، ألقى ظلالا إضافية من الشك حول المحكمة، إذ انه ينسب إليها أمرا تبرأت منه لجنة التحقيق الدولية لأربع سنوات بان لا علاقة لها بسجن الضباط. علما أن ذاكرة اللبنانيين ما زالت تحفظ تلك التنبيهات التي صدرت بعيد الإفراج عن الضباط في نيسان 2009، وحذرت آنذاك من أن يتخذ هذا الإفراج عنوانا لتجميل وجه المحكمة، وهذا ما حصل بالفعل.
– ان قوة «حزب الله» متأتية في جانب منها من عجز الحريري وفريقه منذ العام 2005 وحتى في ذروة قوته السياسية والرعاية الخارجية المنقطعة النظير، على فرض حصار على «حزب الله» يقيّده سياسيا ووطنيا وإقليميا، فكيف بعد التطورات الأخيرة والمستمرة في لبنان والمنطقة والعالم وافتقاد فريق 14 آذار للظهير المصري والعربي «المعتدل» وكذلك للظهير الأميركي الذي صار لبنان في آخر درجة من سلم أولوياته؟
– ان اختلاف النظرة الى السلطة، يشكل عنصر قوة اضافية لـ«حزب الله»، فلا السلطة تشكل اولوية او هدفا بالنسبة اليه، فيما هي اكثر من اولوية لدى الحريري وفريقه، وبالتالي فإن الصراع مع هذا الفريق من وجهة نظر «حزب الله» ليس من اجل الوصول الى السلطة، بل من اجل تصويب خيارات. وقد دلت التجربة مع فريق سعد الحريري ان وجوده في السلطة يجعله يغمض عينه عن اي شيء ويدخل في مسايرات وبازارات وعمليات بيع وشراء كما حصل في موضوع المحكمة الدولية وموافقة الحريري على إلغاء المفاعيل اللبنانية للمحكمة الدولية كما نصت مسودة التفاهم السوري السعودي. كما دلت ايضا على ان خروجه من السلطة او اخراجه منها، يفقده الصواب السياسي ويذهب به الى حد ارتكاب الخطايا والمعاصي على حد ما هـو حاصل حاليا في الحملة على سلاح المقاومة.
– لقد تمكن «حزب الله» من اختراق وعي الناس وقلوبهم، وبنى ثقة متبادلة بينه وبين جمهوره وهو يمتلك أصلا بنية تنظيمية متراصة تبدو مفقودة لدى الطرف الآخر، الذي يحجب الضعف في التنظيم بالاعتماد في معاركه كلها سياسية كانت أم انتخابية أم غير ذلك، على التعبئة الطائفية والتحريض المذهبي وعلى عنصر المال وسياسة «البولمانات» المدفوعة الأجر.
– افتقاد 14 آذار لقيادة «قادرة على القيادة وصاحبة قرار»، فأولوية سعد الحريري استعادة ما يعتبره «حقه في السلطة»، وأولوية أمين الجميل البقاء على قيد الحياة السياسية ومن اجل ذلك قد يذهب في هذا الاتجاه أو ذاك، وآخر مثال ما أحاط رغبته في المشاركة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قبل أن يتعرّض لضغوط هائلة، وأما سمير جعجع فأولويته العودة إلى زمن هيمنة «القوات اللبنانية» في الثمانينات والإطاحة طبعا بميشال عون وتعجيل الزمن لانتهاء ولاية ميشال سليمان وأن يكرر تجربة بشير الجميل.
– بعد ميشال عون، شكل وقوف وليد جنبلاط إلى جانب سوريا والمقاومة، ايذانا بمرحلة سياسية جديدة توجها تكليف نجيب ميقاتي بعد تموضعه وحليفيه محمد الصفدي واحمد كرامي الى جانب سوريا وحلفائها.
في الثالث عشر من آذار قد تنشرح أسارير سعد الحريري عندما يرى جماهير «14 آذار» وهي تتقاطر إلى ساحة الشهداء، وقد تأخذه نشوة التجمع الجماهيري إلى رفع السقف أكثر، ولكن ماذا بعد انتهاء السكرة وإتيان الفكرة عندما يجد الحريري نفسه مجدداً أمام لحظة الحقيقة من جديد رئيسا سابقا للحكومة، وفي المقابل هناك رئيس مكلف بات على شفير التأليف؟

السابق
إسرائيل تخشى انتفاضة فلسطينيّة
التالي
لماذا يلتزم “حزب الله” الصمت عن استهداف سلاحه، وإلى متى؟