ماذا فعل وسام الحسن في القاهرة؟

بينما يعيش البلد ما يمكن تسميته مرحلة انتظار ظهور الدخان الأبيض لحدث سياسي وآخر ديني هما: تأليف الحكومة وانتخاب البطريرك الماروني السابع والسبعين، غطّى دخان الرحلة المصرية الرقم 712 لمدير فرع المعلومات على معظم التطورات الداخلية، وخصوصاً بعد «توضيحات» قوى الأمن التي زادت الأسئلة والشكوك بدلاً من إزالتها في تعاملها مع الرحلة القاهرية لرئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن، طبّقت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي المثل الشعبي «إجت تكحلها عمتها». لأن ما أرادته تعقيباً على ما بثّته قناة الجديد عن زيارة الحسن لمصر، حمل «توضيحين» لم يتضمن أيّ منهما جواباً عن السؤال الأساسي، بل إن كل «توضيح» يطرح المزيد من الأسئلة والشكوك بشأن طبيعة الرحلة والهدف منها ودور القائم بها ومن موّل رحلته.

فتلفزيون «الجديد» ذكر في نشرتيه الإخباريتين، مساء أول من أمس، أن مدير فرع المعلومات الذي تصرّ المديرية على ترقيته إلى «شعبة» رغم عدم صدور مرسوم بذلك، غادر إلى مصر على متن الرحلة 712 لشركة مصر للطيران، فور بث التلفزيون لتحقيق عن وجود الشاهد زهير محمد الصديق في منطقة مصرية تبعد ساعة ونصف عن القاهرة. فما الذي «يهم» المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أن توضحه، رداً على ما ذكره الجديد وتداولته الصحف أمس؟

أولاً ذكرت المديرية، في بيان أصدرته أمس، أن الحسن غادر إلى مصر مساء الاثنين «على متن رحلة عادية وعلنية تابعة لشركة مصر للطيران، في زيارة مقررة منذ فترة، وبناءً على موعد محدد سابقاً مع معالي الوزير رئيس الاستخبارات العامة المصرية اللواء مراد موافي الذي تسلّم منصبه حديثاً على أثر ثورة 25/1/2011»، وأنه عاد مساء أول من أمس «على متن طائرة خاصة مستأجرة من شركة OPEN SKY». ثم أعلنت ثانياً أن الهدف من الزيارة «هو التعارف والبحث في المواضيع الأمنية المشتركة في ضوء التطورات التي شهدتها مصر أخيراً»، قبل أن تتمنى، ثالثاً وأخيراً، على وسائل الإعلام «توخّي الدقة في ما تورده من معلومات والتأكد منها قبل بثّها».

وإذا كان بيان المديرية لم يأت على ذكر الصديق من قريب أو بعيد، قاصداً النفي غير المباشر لعلاقة زيارة الحسن بالشاهد الطائر من بلد إلى آخر، عبر الحديث عن «هدف» آخر للزيارة، فإن مضمون البيان يفرض طرح جملة تساؤلات بديهية، أوّلها: لماذا يلتقي مدير فرع في قوى الأمن الداخلي في لبنان خليفة عمر سليمان على رأس الاستخبارات العامة المصرية، في فترة ما زالت فيها مصر مشغولة بالمرحلة الانتقالية التي تشهد ما تشهده من حرق ونهب للوثائق الأمنية؟ وبأي صفة قصد العقيد الحسن اللواء موافي لبحث «المواضيع الأمنية المشتركة»؟ وحتى لو انتُدب لهذه المهمة، هل حصل على أمر خطّي من وزير الداخلية؟
ثانياً، إذا كانت الزيارة «مقررة منذ فترة، وبناءً على موعد محدد سابقاً»، فلماذا لم يحجز الحسن على متن مصر للطيران أو غيرها، ذهاباً وإياباً، بدلاً من الذهاب «على متن رحلة عادية» والعودة على متن طائرة خاصة مستأجرة لا تقل كلفتها عن 12 ألف دولار، فيما الرحلة كاملة، ذهاباً وإياباً، وفي الدرجة الأولى، لا تزيد على 850 دولاراً عبر طيران الميدل إيست، وتزيد أو تنقص قليلاً في الشركات الأخرى؟

أما السؤال الأكثر بديهية من كل ما سبق، فهو: إذا كانت الزيارة مقررة سابقاً وللتعارف وبحث مواضيع أمنية مشتركة، فلماذا لم تُعلن إلا بعدما أثيرت في الإعلام؟
من كل هذه الأسئلة، لم يتوافر إلا جواب واحد، هو أن الحسن لم يسافر بتكليف أو بأمر خطّي من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال زياد بارود، وحسب، بل إن بارود لم يعرف بالرحلة المصرية إلا بعد إثارتها إعلامياً، بدليل أنه طلب من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، خلال استقباله له أمس، اتخاذ «التدابير والإجراءات المناسبة في موضوع سفر أحد ضباط المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ومدى مراعاته للقوانين والتعليمات النافذة»… وكأن بارود يعتمد في ذلك قول المتنبّي «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم»، لأن بيان «التعقيب والتوضيح» بشأن زيارة الحسن صادر عن المديرية التي يرأسها ريفي.
تعقيب آخر على ما بثّه الجديد، جاء من المكتب الإعلامي للواء الركن جميل السيد، دعا فيه وزير العدل، بصفته أيضاً رأس النيابات العامة، إلى اتخاذ إجراءات مطالبة السلطات المصرية بتسليم الصديق إلى القضاء اللبناني من دون المرور بالمدّعي العام التمييزي سعيد ميرزا، لكونه متورّطاً في هذه القضية».

وطالب وزير الداخلية بفتح تحقيق عدلي مع الحسن، في ظروف وأسباب سفره «المفاجئ» إلى القاهرة «بالتزامن مع افتضاح وجود زهير محمد الصديق في مصر»، معتبراً أن أوضاع مصر حالياً لا تسمح للحسن «بالتذرع بأنه ذهب إليها للسياحة أو لإجراء اتصالات مع السلطات الأمنية المصرية التي لا تزال في مرحلة الثورة وحرق مكاتبها، وليست في وضع يسمح لها بالتنسيق أو بالاستماع إلى العقيد الحسن أو سواه في أمور أخرى». ودعا بارود «بما لديه من صدق وشفافية، إلى إطلاع الرأي العام على نتيجة التحقيق مع العقيد الحسن، بما في ذلك إحالته على القضاء بجرم الاستمرار بحماية شاهد الزور زهير محمد الصديق لتضليل التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري».

السابق
العاصفة الثلجية حتى السبت المقبل
التالي
تينانتي: لمناقشة لبنان وإسرائيل قضايا الأمن البحري