رفسنجاني: نهاية نظام

هو اشبه بانقلاب. ثورة على الثورة من داخلها تطيح آخر رموزها التاريخية. لم يكن هاشمي رفسنجاني من صناع القرار في إيران. لكنه كان مجرد ذاكرة متصلة بالراحل الإمام الخميني، انقطعت منذ سنوات، عندما اختار الشيخ أن يقف في الوسط بين محافظين لا يرون حاجة الى التغيير والتحديث لتجربة اول جمهورية إسلامية في التاريخ، وبين إصلاحيين اعتبروا أن الوقت قد حان للتخلص من جوهر العقيدة السياسية الإيرانية، ولاية الفقيه المحرمة وكل ما يحيط بها من شرائع ومؤسسات مثيرة للجدل.
خسارة الرجل لأحد أهم وآخر مناصبه في الجمهورية التي بناها بنفسه حجراً على حجر، بالغة الدلالة على عمق الأزمة التي تواجهها إيران ولم تعد تحتمل انصاف الحلول ولا التسويات. الاستقطاب يزداد حدة يوماً بعد يوم، ما يفرض على ميكيافيلي الثورة ثم الدولة الإيرانية أن يتنحى ويطلب الإذن بالرحيل، ليتقدم واحد من رفاق الدرب الذين واكبوا الخميني في مراحل التأسيس والبناء، لكنهم لم يكونوا من اللامعين. واجب الاحترام لآية الله مهدوي كني الذي قارب التسعين من العمر هو أقوى من حق البقاء في رئاسة مجلس الخبراء. والانسحاب أمام مرجع ديني كبير أكثر لياقة من الهزيمة أمام الرئيس محمود أحمدي نجاد في انتخابات عام 2005.
لم يخرج رفسنجاني مهاناً، لكن خرج مطروداً. الوثائق والمصادر التي تحدثت عن أنه يتوقع وفاة المرشد الحالي آية الله علي خامنئي لإصابته بمرض عضال، ويترقب الارتقاء الى منصبه السامي، الذي يظن انه يستحقه اكثر من اي رجل دين آخر في إيران، ساهمت من دون أدنى شك في إبعاده من رئاسة مجلس الخبراء، الذي كان حصنه الأخير للزعم أنه ما زال يتمتع بدور توجيهي في السياسة الإيرانية، مع أن الدولة التي أرسى أسسها نقلت قيادتها من المعممين الى الأمنيين، الذين اعلنوا مؤخراً قيام الثورة المهدية الثانية، من دون أن يكون لديهم مرجع قريب من المهدي، ومن دون أن يكون لديهم أي اتصال مع الجمهور الذي يزداد اغتراباً حتى عن الدين.
نهاية بائسة لرفسنجاني، لا تشبه نهايات زين العابدين بن علي وحسني مبارك، لكنها تعادل الرد عليها: المؤسسة الحاكمة في إيران تعلن أنها لن تتسامح من الآن فصاعداً مع الواقفين في المنطقة الرمادية الوسطى، الذين انتهت فترة صلاحيتهم، وهي بالتالي، وهذا هو الأهم، لن تتساهل بعد اليوم لا مع اولئك الذين اختبأوا في بعض الأحيان تحت عباءة الشيخ الصامت، والخائف على مصير أسرته وأبنائه المعارضين أو المنادين بالإصلاح، ولا طبعاً مع الذين يطمحون الى هدم الهيكل على رؤوس كهنته الصغار…
نهاية حزينة لرجل الثورة والدولة، الذي كان حتى في صمته وخوفه أحد أهم ركائز النظام الإيراني الذي يتداعى يوماً بعد يوم، وينذر بصراع أشد ضراوة بين مراجع سياسية وأمنية تعتبر الإصلاح عيباً او تآمراً، وبين أجيال شابة ربما ترى في خروج رفسنجاني أن النظام فقد صلته الأخيرة مع الواقع، وفرصته الوحيدة للبقاء.

السابق
هل تشمل رياح التغيير لبنان الذي سلّم حرياته وطوّقته الطوائف؟
التالي
إسرائيل تخشى انتفاضة فلسطينيّة