“المجلس الشيعي” مرذولاً من “أهله”

اللبنانيون ليسوا خارج الاسئلة او التحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم. الشعوب العربية تتلمس في تعبيراتها الاحتجاجية والتغييرية، ان الفساد الذي تعاني منه الدول والمجتمعات، سببه الاستئثار بالسلطة وغياب او تغييب المساءلة. تغييب كان وسيلة نموذجية لاستفحاله في المؤسسات والمجتمع. ولئن كان الانقسام العمودي في لبنان يؤمن الغطاء للخروج على المعايير القانونية والديمقراطية، فقد ساهم بقوة في تحقيق شروط الاستبداد الطائفي والمذهبي، وبرر الفساد والاستئثار. ونجح القائمون على السلطة في هذا النظام، في تطويع مؤسسات الدولة ومصادرة الطوائف الى حد بعيد.هذه المصادرة التي طاولت المجالس المذهبية والطائفية عموما وخصوصا لدى المسلمين سواء في دار الفتوى او في المجلس الشيعي. على قاعدة تطويع مريب عطل من جهة دور المؤسسة المذهبية بتحويلها ذيلا لسلطة السياسية، ومن جهة ثانية اغرق القائمين على هذه المؤسسات بمصالح ضيقة ومنافع ذاتية.

هكذا يبدو المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في السنوات الاخيرة، مجلسا يفتقد الى حيّز خاص ومؤثر على صعيد الطائفة الشيعية، او الوطني. ويشير اعضاء في هذا المجلس، الى ان الحيز الذي يشغل معظم رجال الدين فيه او المحيطين به، هو بعض المنافع المادية والرسمية التي يؤمنها المجلس من المال العام، الى بعض الطموحات الشخصية المشروعة وغير المشروعة في سلك الافتاء او القضاء او الاوقاف. فيما يجري تقويض اي محاولة لتصويب عمل المجلس الشيعي الاداري والوطني وحتى الاجتماعي والفكري او الديني، فضلا عن تعطيل انتخاب رئيس للمجلس او هيئته الشرعية والتنفيذية المستمرة بشكل مخالف لقانون المجلس. فضلا عن مناقشة او بت مشروع القانون المدرج في جدول اعمال مجلس النواب منذ اكثر من عشر سنوات.

وليس خافيا ان هذا المجلس، الذي يقع في قبضتي الرئيس نبيه بري وحزب الله، قد تحول الى مجرد منبر محتكر لهما، من دون ان ينجو من الصراع القائم بين الطرفين على الامساك بمفاصله، فالرئيس بري الذي كان يعتقد انه صاحب الكلمة الفصل في هذه المؤسسة منذ تولى رئيس الهيئة الشرعية في حركة امل ونائب رئيس المجلس الشيعي الشيخ عبد الامير قبلان المسؤولية بعد رحيل رئيس المجلس الشيخ شمس الدين، بات اليوم يدرك ان حليفه ليس اقل طموحًا منه على هذا الصعيد، ولا تعوزه الحنكة ايضا. فالاخير الذي يجمع بين موقع سياسي وديني، لا يجد في نهوض "المجلس" كمؤسسة جامعة ما يتلاءم مع توجهاته ومساره. لذلك بين خيار نهوض المؤسسة او القبض عليها وشلها، انحاز الى الثانية وعمل على تثبيت قواعد نفوذه ومديدها، وساهم بقوة في حماية الوضع غير القانوني الذي تعيشه منذ سنوات. فيما الرئيس بري اعتاد مع مرور الايام على هذه الشراكة.

يبقى ان رغم الاقرار بقوة الطرفين الشيعيين، ومشروعية انخراطهما في هذه المؤسسة، فلماذا يتم ذلك من خارج العملية القانونية. وما هي الاسباب التي تحول دون اجراء انتخابات لهيئته التي انتخبت آخر مرة قبل 36 عاما. التواطؤ والمصالح الحزبية والنزعة الاستئثارية وتعطيل المجلس وافساده هي الاجوبة التي يمكن ان تسمعها من اكثر من معني في هذه المؤسسة. والبعض يروج منذ زمن لصفقة يجري الاعداد لها بين الرئيس بري وحزب الله، تقوم على ان يتم انتخاب الشيخ عبد الامير قبلان رئيسا للمجلس، في مقابل ان ينال حزب الله موقع الافتاء الجعفري الممتاز بمن فيه. ويسمي الرئيس بري نائب رئيس المجلس، من دون ان تتضح اي رؤية لمستقبل الهيئة الشرعية والتنفيذية.

ورغم ان البعض ومنهم الرئيس حسين الحسيني يعتبر ان "المجلس" يجب ان يكون وبحكم تأسيسه مكاناً جامعًا للتنوع داخل الطائفة، وهو كلام محق، لكن ذلك لا يقلل من شأن التساؤل حول الغاية من تحويل "المجلس" الى دائرة ذيلية وتابعة تفتقد دورها وتستسلم للتهميش على المستوى الوطني وحتى الشيعي. وما الذي يجعل من اعضائها مجرد متنافسين على منافع ومكاسب ضيقة. وهذا ربما ما يجيب عن سؤال راودني بعد استماعي الى بعض من رجال دين ومدنيين منضوين في المجلس الشيعي، كان المشترك بين كل ما سمعت عنوان اساسي. هو الشكوى من العجز والفساد. لماذا يبدو ان الاضاءة على الخلل في المجلس الشيعي لدى البعض وكأنه تعد على "المؤسسة الأم" من قبيل مقولات (ممجوجة) عن وحدة الطائفة؟.

السابق
نصرالله كيف قتل الحريري في “اليوتيوب”؟
التالي
العاصفة الثلجية حتى السبت المقبل