العودة إلى سياسة النبضات

الخطة التي تُنشر في وسائل الإعلام هذه الأيام، التي تصف المبادئ التي يريد نتنياهو عرضها أمام الكونغرس الأميركي قريبا، هي على ما يبدو، حدود التنازلات الحالية لرئيس الحكومة. فهو كان يريد التوصل إلى سلام في فترات زمنية طويلة جدا، مع إبقاء قسم جوهري من الضفة الغربية بيدينا. يبدو أنه يعتقد أنه لا يوجد هناك زعماء فلسطينيون سيكونون مستعدين لخطة كهذه- من دون تقسيم القدس الشرقية ومن دون حل رمزي لموضوع اللاجئين، لكن من الواضح له أنه لا يوجد اليوم أي فرصة لذلك.
لذلك فإن نتنياهو مستعد الآن لتسوية انتقالية، وهو بذلك يشير إلى تغيير في خطه المبدئي، والذي بموجبه لن يوافق على تنازلات إقليمية جزئية لفترة زمنية طويلة لأنه من شأن إسرائيل أن تجد نفسها تتنازل وتتنازل، من دون التوصل إلى إنهاء الصراع، ومن دون أن تضمن لنفسها بعض المواضيع المبدئية الحيوية لأمن إسرائيل من وجهة نظره.
ظاهريا، لقد وافقت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على خارطة الطريق في العام 2002، والمرحلة الثانية من هذه الخطة هي خيار لدولة فلسطينية في حدود مؤقتة. لكن الفلسطينيين يؤكدون ان الأمر يتعلق بخيار، ويجوز لهم رفضه. فهم يخشون من أن تتحول الحدود المؤقتة إلى دائمة، وأن يكتفي العالم بذلك ويزيل عن جدول أعمال المشكلة الفلسطينية. ثمة بينهم من يقول إنه سيوافق فقط في حال عرضت إسرائيل الخطوط العامة للحل الدائم وجدولاً زمنياص لتطبيقه.
لا ينوي نتنياهو أن يعرض على الفلسطينيين أفقاً كهذا، لأنه في حال فصّل أمامهم تصوره الحقيقي- فلن يخطر على بالهم الاكتفاء بحدود مؤقتة. لكن رئيس الحكومة يشعر أنه ملزم بفعل شيء ما، لا سيما بعد الفيتو الأميركي في مجلس الأمن، وإذا ما ظهر فعلا أمام الكونغرس فلن يستطيع الاكتفاء بما هو أقل دراماتيكيا. وإذا كان كل ما سيفعله هو اقتراح دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، بعد أن رفض الفلسطينيون هذا العرض، سيكون من الصعب أن يثير انفعال أحد بهذا الطرح، ومن الجائز الافتراض أن الرد العام سيكون " الجبل ولد فأرا": يريد نتنياهو أن يسجل العالم أمامه أنه مستعد لتنفيذ المرحلة الثانية من خارطة الطريق فقط من أجل القيام بمبادرة سياسية مع علمه المسبق أن الفلسطينيين لن يوافقوا على ذلك. لكن لن ينتج ربحا ونجاحا من هذه الخطوة العقيمة.
إذا كان رئيس الحكومة غير مستعد لدفع الثمن الواقعي للاتفاق الدائم، وإذا كان غير معني بخطوة مثل " مدريد 2" للشروع في مفاوضات موازية مع منظمة التحرير وسوريا؛ وإذا كان كل ما مستعد نتنياهو له هو انسحاب إضافي في اضلفة الغربية وتسهيلات معينة للفلسطينيين- فالطريق الوحيدة لفعل ذلك هي أسلوب " ظهر إلى ظهر".
يستطيع نتنياهو الظهور أمام الكونغرس (أو حتى في الكنيست) والإعلان عن استعداده لتطبيق " النبضة الثالثة" من الاتفاق المرحلي من العام 1995. فنحن لا نزال ملزمين بذلك للفلسطينيين (هل تذكرون أن حكومة نتنياهو الأولى قررت في العام 1998 أن هذه النبضة لم تكن أكبر من واحد في المئة؟)، وعليها أن تشمل عشرات في المئة. وسيتعين تنسيق الانسحاب مع الفلسطينيين، لكن لا حاجة للحصل على موافقتهم المتعلقة بحجمها، بينما سيكون في وسع الفلسطينيين أن يقرروا ما إذا كانوا سيُعلنون وإن من طرف واحد عن دولة على الأرض التي ستكون تحت سيطرتهم. هذا الطرح بعيد عن السلام لكنه أفضل من الجمود.

السابق
الشرق الأوسط الجديد يستحق أكثر من إسرائيل القديمة!
التالي
نصرالله كيف قتل الحريري في “اليوتيوب”؟