الشرق الأوسط الجديد يستحق أكثر من إسرائيل القديمة!

اذهب إلى القدس سيدي الرئيس. إسرائيل قلقة. كانت تفضل النظام الشرق أوسطي القديم؟ كان بإمكانها الاعتماد على الطغاة، مثل حسني مبارك في مصر، لقمع الجهاديين ورفض إيران، والتماشي مع خطوط اللعبة الفلسطينية الإسرائيلية التي أنشأت وضعاً مؤقتا ًـ دائماً كان مثالياً بالنسبة للقوة الإسرائيلية.
الإسرائيليون قلقون. هم يتساءلون سيدي الرئيس إذا كنت تحبهم من القلب. لقد ذهبت إلى القاهرة، وزرت اسطنبول، لماذا ليس إلى القدس؟ لماذا لا تأتي إلينا سيدي الرئيس أوباما لتشعر بألمنا؟
الإسرائيليون قلقون أكثر. لا يمكن التنبؤ بنتائج الانتخابات (انظر إلى غزة) التي ستجري في أنحاء العالم العربي! هناك الأخوان المسلمون الذين يتحدثون بلهجة جيدة لكنها تتضمن تهديداً. ماذا لو ذهب الأردن أيضاً؟
"أميركا هي شركة تأمين بالنسبة لإسرائيل واليوم نحتاج لقدوم رئيس مجلس إدارة الشركة ليقول لنا : لستم وحدكم". هذا ما قاله لي دانيال بن سيمون عضو الكنيست الإسرائيلي الذي أنشق عن حزب العمل مؤخراً.
وأضاف بن سيمون "نحتاج لذلك خصوصاً أن سياسة إسرائيل ليست مأساة فحسب، بل إنها إجرامية تقريباً".
هذا صحيح من الجهتين. إنها فرصة رائعة قد تتبدد في ظل تفتّح الربيع العربي. أعتقد أن القلق الإسرائيلي نابع من أسباب أخلاقية وإستراتيجية. السبب الأخلاقي بسيط: هل هناك ما هو أقرب إلى قلب اليهود من مشهد الناس التي تقاتل من أجل إزاحة كاهل الاضطهاد عنهم واستعادة كرامتهم وحريتهم؟
إذا كانت إسرائيل ستشعر ببرودة تجاه هذه الصراعات النبيلة من بنغازي إلى البحرين، ولا تبدي قلقاً بشأنها، فما الذي حلّ بجوهر وروح الدولة اليهودية؟
يبدو أن أكثر دولة ديموقراطية إشراقاً في الشرق الأوسط تفوت على نفسها مشهد ولادة ديموقراطيات جديدة في المنطقة. أولاً، عندما يتمكن العرب من التجمّع في أماكن خارج أسوار المساجد، فإن ذلك يشكل ضربة موجعة للإسلام المتطرف. ثانياً، إن المعايير الأميركية المزدوجة في دعم قادة أمثال مبارك، شكّل ذخيرة غوغائية لأعداء إسرائيل، وبشكل رئيسي إيران.
ثالثاً، يمكن استغلال الناس المقهورين الغاضبين بسهولة، حيث ان الذين يتولون السلطة سيركزون عملهم على تحسين ظروف معيشة هؤلاء عوضاً عن افتعال نزاعات في أماكن أخرى. رابعاً، لقد انطلقت المحاسبة في العالم العربي قريباً من إسرائيل وتحديداً في الضفة الغربية مع برنامج (رئيس حكومة السلطة الفلسطينية) سلام فياض: لذا على إسرائيل أن تسبق موجة الديموقراطية من خلال اعتماد التنمية عوضاً عن التغاضي عنها.
لا يوجد أي سبب للتفكير بأن التحرّر العربي سيتوقف عند أبواب فلسطين.
إن الانتفاضات العربية ليست بوجه إسرائيل- بعد. لم أسمع خلال أسبوعين قضيتهما في القاهرة كلمة إسرائيل، لكن يمكن أن يتغيّر ذلك إذا نشبت مشادات كلامية جديدة. لا شيء يمكنه تعزيز المشاعر الإقليمية التي تتركز اليوم على البناء، عوضاً عن التهديم، مثل المشادات بين إسرائيل والعرب.
لذا، فإن المصلحة الأميركية، الأوروبية، الإسرائيلية والعربية الشاملة تكمن في إيجاد خرق سريع في جدار الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية. لكن كيف ذلك؟
لقد حدث أمر صغير لا بين الانتفاضيتين الليبية والمصرية. لقد صوّتت الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية.
لقد علمت أن هذا القرار شكّل معاناة شخصية بالنسبة (للرئيس الأميركي باراك) اوباما، إذ انه جاء مخالفاً لحقيقة مشاعره، وخطاباته تقريباً. كان اوباما قد أعلن أن الولايات المتحدة "لن تقبل بشرعية" المستوطنات، ويجب أن تتوقف. لقد صوّت حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين ـ بمن فيهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا ـ إلى جانب قرار الإدانة. بالطبع، أوباما هو الذي سيخوض انتخابات في العام المقبل، ويعلم أن مواجهة إسرائيل ستكلفه.
لقد قيل لي ان أوباما بذل كل ما يمكنه لإقناع الفلسطينيين بسحب مشروع القرار. لقد عرض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس سلة تضمّنت بياناً يصدر عن اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط التزاماً باستخدام حدود العام 1967 كأساس للحل المنشود. وبخلاف الاتحاد الأوروبي، لم تذهب الولايات المتحدة يوماً إلى هذا العنوان. لكن عباس الذي شعر أنه معرّض، رفض العرض، واستخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو.
كان ذلك خطأ فلسطينياً تشويق تكتيكي عوضاً عن مكسب إستراتيجي. الفلسطينيون اليوم بحاجة ماسة لتشكيل فريق تفاوض متماسك.
إسرائيل بالمقابل بحاجة ماسة لتوجيه. لقد نشب خلاف عقب التصويت في مجلس الأمن الدولي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. لقد سأل نتنياهو كيف يمكن لألمانيا أن تعاقب إسرائيل فيما عبّرت ميركل عن غضبها من المماطلة الإسرائيلية. عندما يتم امتحان المانيا، ثاني أوثق حلفاء إسرائيل، فإن السخط يكون قد وصل إلى أعلى مستوياته.
وهناك سخط في إسرائيل ايضاً. كلمة أوباما على المحك. لقد قال انه قبل انعقاد أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول المقبل "يمكننا التوصل إلى اتفاق يؤدي الى انضمام عضو جديد إلى الأمم المتحدة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة تعيش جنباً إلى جنب بسلام مع إسرائيل".
ويحل أيلول بعد ستة أشهر من اليوم.
كنت آمل أن يصل مستوى العلاقات الديبلوماسية بين إسرائيل والولايات المتحدة إلى الدرك الأسفل، كبديل إسرائيلي عن الفيتو الأميركي المتناقض مع نفسه. لكن ذلك لم يحصل. تتحدث إسرائيل عن "اتفاقيات انتقالية" مرة جديدة. هذا لن يمر. يدرك الفلسطينيون اليوم من سيكون الرابح من المؤقت الدائم. فلسطين تريد السيادة وإسرائيل تريد الأمن. هذه مطالب غير قابلة للتفاوض.
غير أن مغامرة من أوباما وحدها الكفيل بخرق جدار الأزمة من الآن وحتى ايلول. عليه أن يتوجه إلى القدس في ايار ويخاطب الكنيست، عليه أن يفصح عن الطرق التي تضمن فيها أميركا امن إسرائيل. عليه إقناع إسرائيل بفك الحصار العقلي الذي يعميها عن الفرص التي تتكاثر من حولها. بإمكانه نشر الحب.
الشرق الأوسط الجديد يستأهل أكثر من إسرائيل القديمة.
روجر كوهين

السابق
لماذا يلتزم “حزب الله” الصمت عن استهداف سلاحه، وإلى متى؟
التالي
العودة إلى سياسة النبضات