في بحر هائج… ولا تجيد السباحة؟!

عندما قفز الرئيس نجيب ميقاتي من "حصان طروادة" مبتهجاً بتسمية "حزب الله" له مرشحاً لتشكيل الحكومة الجديدة ومعللاً قبوله بما سمّته 14 آذار انقلاباً إكراهياً على الرئيس سعد الحريري، طرحت عليه هذه الزاوية من منطلق المحبة الصادقة والاحترام الأكيد لا أكثر ولا أقل السؤال الآتي: ميقاتي… لماذا قفزت الى بحر هائج؟
الآن بعد مضي شهر ونصف شهر على تكليفه، وبعدما قرأنا كلامه أمس الى "النهار"، صار من الضروري أن نعدّل في السؤال ليصبح: ميقاتي… لماذا قفزت الى بحر هائج وأنت لا تجيد السباحة؟
نطرح هذا السؤال، لأنه لا يجوز لمن أعلن أنه الآتي باسم الوسطية لمنع انزلاق البلاد من الأزمة الى الفتنة، ان يقول الآن بعد أسابيع قليلة:
"أنا أبو الهول. استطيع أن انتظر… وهوَّ ورانا حاجة؟".
نعم يا سيدي "هوَّ ورانا حاجات" (!) فلا يجوز ان تخبرنا بأنك مثل "أبو الهول"، أولاً لأن لبنان ليس صحراء مترامية واهرامات نائمة، وثانياً لأن اللبنانيين لم يلحسوا بعد أصابعهم من الوسطية والمنّ والسلوى، وما الى ذلك من الأمور والحلول التي افترضت أنها سهلة عليك وصعبة على من سبقك. فإذا بها وفق ما نفهم من حديثك المقتضب، صعبة عليك أكثر مما كانت صعبة على غيرك. وإن كانت كل الاستهدافات قد أعلنت صراحة، حتى قبل أن تتم تسميتك ثم تكليفك، انها تستهدف إخراج سعد الحريري من السرايا!

وإذا كان الرئيس ميقاتي "يحكي من حرقة القلب" معترفاً بأن أكثر ما آلمه هو إعلان قوى 14 آذار من البريستول عدم المشاركة في حكومته، فماذا تراه يقول عن حرقة قلب الآخرين الذين حصل الانقلاب عليهم من داخل بيت التحالف، ماذا يقول عن ألم سعد الحريري شريك الأمس، الذي تعرض لانقلاب يصفه بأنه جرى بقوة ترهيب السلاح وشارك فيه من كانوا في تحالف سياسي نيابي على الأقل وفي مقدمهم طبعاً الرئيس ميقاتي؟
وإذا كان الرئيس الهادئ والمتأني نجيب ميقاتي، قد غالب غصة فعلاً، وهو يقول لـ"النهار": "يتركوننا رئيس الجمهورية وأنا نواجه الوضع بمفردنا" فإن الأمر يثير العجب فعلاً. ليس لأننا ندرك كما يدرك هو أيضاً من ترك من فحسب، بل لأن ثمة ما لا يصدّق أو يعقل إذا كان ميقاتي قد تخيل لوهلة أن 14 آذار التي خرجت من السلطة بسبب اصرار 8 آذار على إسقاط المحكمة الدولية، ستقبل المشاركة في حكومته التي ستكون وظيفتها الأولى إسقاط هذه المحكمة. والدليل هو الموقف الذي ووجهت به أخيراً طلبات المحكمة من وزراء حكومة تصريف الأعمال.
أما إذا كان ميقاتي قد راهن على ان شهية مسيحيي 14 آذار للتوزير ستفتت 14 آذار، فإن ذلك يشكل رهاناً خاسراً مرتين: الاولى تتمثل في أن ما عرض على 14 آذار، هو بمثابة فتات وزاري يمثل إهانة بالنسبة الى حجمها النيابي. والثانية تتمثل في أن هذا العرض يشكل تحدياً لمسيحيي 8 آذار، وفيهم من يريد اختصار المسيحيين وربما المسيح في شخصه الكريم.
وفي هذا السياق لا بد من تذكير ميقاتي تكراراً بالقول: اللهم أعني على حلفائي، أما خصومي فأنا الكفيل بهم!

هل يتكل ميقاتي فعلاً على أهل 14 آذار في تشكيل الحكومة، وكيف استطاع ان يتّهم هؤلاء بأنهم يهاجمون الرئيس ميشال سليمان، الذي يعرفون انه "حكيم ومدرك ويزن الأمور بدقّة"، في حين ان الهجوم على الرئيس يأتي من حلفاء ميقاتي، وبعضهم لا يستكثر على الرئيس حصة وزارية فحسب، بل يكاد ان يطالبه بمغادرة "قصر الشعب" في بعبدا؟!
وإذا كان ميقاتي يقول انه رأى أن البلد ذاهب الى صدام حتمي والى فتنة سنيّة – شيعية وخصوصاً مع تكليف الرئيس عمر كرامي، فهل تكليفه هو قد خفف الخوف من الصدام؟ ثم ما هو ذلك السحر الذي يملكه ولا يملكه كرامي؟
أكثر من هذا، عندما يكرر في حديثه القول "أنا نجيب ميقاتي اللبناني السنّي"، ولا أقبل ضرب موقع رئاسة الحكومة، وعندما يعترف في سياق الكلام إياه حرفياً بأنه: "نعم، أسلوب إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري كان مهيناً وأنا أتفهم ردّ الفعل". أوليس من حق السنّة واللبنانيين جميعاً أن يصرخوا: إذاً كيف قبلت الدخول على حصان طروادة يا دولة الرئيس؟
وعندما يتلقى ميقاتي اللوم من 8 آذار لقبوله ببيان اللقاء الاسلامي، فإن ذلك يشكل زيادة في تأكيد استهداف الدولة وسلطتها واتفاق الطائف أيضاً، وهو الأمر الذي لم ولن يتمكن من أن يغيّر فيه شيئاً.
أما عندما يعلن ميقاتي صراحة انه يرفض تخلي لبنان عن التزاماته حيال المحكمة الدولية، فهل يسمع أو يدرك مدى كزكزة الأسنان غضباً في أوساط 8 آذار وضواحيها؟
لكن المهم ليس الاعلان المتكرر عن هذا الرفض، بل القدرة على منع سياسة التخلي التي يعلنها "حزب الله" صراحة على قاعدة وصف المحكمة بالمؤامرة الأميركية – الاسرائيلية.
طبعاً هذا ليس خافياً على ميقاتي، الذي سرعان ما يقع في التناقض عندما يقول ما معناه لا نستطيع تلبية كل مطالب المحكمة الدولية لأن ذلك ينسف الاستقرار. ثم يضيف: ويستحيل ان يتنكر لبنان لالتزاماته الدولية ومن يستطيع التنكر لها؟". هكذا بالحرف. ولكن بالله عليك كيف يا دولة الرئيس؟
ثم إذا كنت لا تريد حكومة اللون الواحد، ولن تعلن حكومة لا تضم على الأقل 10 أو 15 وزيراً (لماذا ليس ثلاثين؟) تفخر بهم كما تقول، فمن أين ستأتي بهؤلاء "المفاخر"؟
وهل تظن ان الأسماء التي ستضعها الأيدي القوية في "التشكيلة" إن وضعت، تستأهل المفاخرة فعلاً، بما قد يجعل منك الفرزدق يقول لـِ جرير: هؤلاء "وزرائي" فجئني بمثلهم؟
صحيفة "النهار"

السابق
ثقافتا النظام الطائفي: “عبودية” و”جبن” أمام فكرتين
التالي
مقال ل«بيار عطاالله» بعنوان: 14 آذار