دولة بلا مقاومة أم مقاومة بلا دولة؟

صدرت أوامر صارمة من المرجعيات العليا في حركة «أمل» و«حزب الله» الى جميع العناصر والمحازبين بالتزام أقصى درجات الهدوء والاسترخاء والابتعاد عن الاستفزاز، عشية المهرجان الذي تعتزم قوى الرابع عشر من آذار إحياءه يوم الاحد المقبل في ساحة الشهداء لمناسبة الذكرى السادسة لتأسيسها. وقد تولى عدد من القيادات والمسؤولين في الطرفين نقل هذه التوجيهات الى مختلف القطاعات الحركية والحزبية في الأحياء والمناطق، واعتبار هذا اليوم يوماً عادياً ومناسبة للفريق الآخر للتعبير عن رأيه، على الرغم من الحملة الإعلانية والإعلامية الواسعة التي يقوم بها هذا الفريق والتي لا تخلو بعض شعاراتها من الاستفزاز. 

وفي هذا السياق لا بد من العودة إلى البحث في الاستراتيجية الدفاعية بروح منفتحة تغلّب مصلحة لبنان على المصالح الخاصة، وتزيل الهواجس المطروحة من احتمال استخدام السلاح في الداخل. وخارج هذا المفهوم سوف تدير المقاومة «أذنها الطرشاء» لكل الحملات، وقد تحتفل قوى الرابع عشر من آذار بالذكرى الستين على تأسيسها قبل أن تسلم المقاومة سلاحها، ما يعني تسليم رأسها وجمهورها وشهدائها الى كل الذين يكيدون لها شراً في الداخل والخارج.

ويبدو أن هذه الأجواء تنسحب في الوقت نفسه على مختلف قوى الأكثرية الجديدة بتوجيهات من قياداتها العليا. ويعبر أكثر من مصدر قيادي لدى هذه الأكثرية عن قناعته بأن الأمور سوف تسير وفق ما هو مقرر، وأن يوم 13 الجاري سيكون يوماً طبيعياً وليس قطوعاً مفصلياً كما يخشى البعض. ويقول هؤلاء إن مثل هذه التوجيهات أثبتت فعاليتها في الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي عندما دعا تيار «المستقبل» أنصاره الى «يوم غضب» احتجاجاً على استبعاد رئيسه عن رئاسة الحكومة، بحيث لم يحصل أي احتكاك شعبي على الرغم من أعمال العنف والتخريب التي رافقت الاحتجاجات في بيروت وطرابلس والطريق الساحلية وبعض مناطق البقاع، والتزم مناصرو قوى الثامن من آذار أقصى درجات الانضباط.
ويعتقد الكثير من المراقبين أن هذا التوجه يعبر بشكل او بآخر عن حالة الاسترخاء التي تعيشها «قوى المقاومة» في ظل الحملة الشرسة على السلاح، التي وصفت بالعبثية، والتي ترفعها قوى الرابع عشر من آذار شعاراً للمرحلة. ويلفت المراقبين تصاعد هذه الحملة في اللقاءات والمناسبات الإعلامية التي يعقدها العديد من أركان 14 آذار في إطار التجييش والتحضير للمهرجان، والتي بدأت تستعير عبارات من الماضي الذي خال اللبنانيون أنه أصبح وراءهم، كالحديث المستجد عن سلاح الغدر وغير ذلك من التعابير التي يرى البعض أنها محاولات استفزازية تستدر فتنة لن تحصل، إلا أن هذا البعض لا يخفي فعالية هذه الشعارات في تحقيق المزيد من الشرخ والفرقة والانقسام في صفوف اللبنانيين ونفوسهم.
في كل الأحوال، يؤكد المعنيون في قوى الثامن من آذار أن سلاح المقاومة لم يعد مطروحاً للنقاش بعد تعطيل جلسات الحوار التي كانت الاستراتيجية الدفاعية هدفها الرئيسي، لأن إسقاط هذا السلاح يعني استباحة لبنان مجدداً من قبل العدو الإسرائيلي، كما يقول رجل الاعتدال الرئيس الدكتور سليم الحص. ويضيف هؤلاء إن الذين يطرحون نزع السلاح يريدون لبنان دولة بلا مقاومة، وقد أثبتت هذه النظرية في الماضي عقمها، وأدت إلى واقع مرير أفضى الى احتلال إسرائيلي مصحوباً بمقاومة بلا دولة. والأجدى في هذه المرحلة وفي المستقبل انتهاج سياسة «الدولة المقاوِمة»، بمعنى التعايش بين الدولة والمقاومة إلى أن تتمكن الدولة بجيشها وقواها الذاتية من حماية حدودها والحؤول دون استباحة البلد، وهي تجربة أكدت نجاعتها منذ التحرير عام 2000.

السابق
تهريب الأسلحة والمقاتلين يمارس أمام مرأى الدولـة والحدود المشتركة مكشوفة للسوريي
التالي
تغيير تكتيكي في مهام الفرنسيين أم بداية إخراج مشرف من الجنوب؟