شجرة الجنوب

ماذا تريد اسرائيل وماذا يريد العالم وماذا تريد اميركا؟ سؤال طرحه الجميع بعد المواجهات التي دارت في جنوب لبنان بين الجيش اللبناني وقوة اسرائيلية تقدمت داخل الاراضي التي يتحفظ عليها لبنان بهدف اقتلاع شجرة رأت ان وجودها يحجب الرؤية الامنية.
منذ صدور القرار الدولي الرقم 1701 واسرائيل ترتكب آلاف الخروقات على مرأى ومسمع من العالم وتحديدا من الدول الخمس الكبرى التي شاركت في صنعه، وهو الامر الذي ادى الى مواجهات الثلاثاء الماضي التي راح ضحيتها عدد من الشهداء والجرحى في صفوف الجيش اللبناني. ولو وقف مجلس الامن منذ اربع سنوات وقفة واحدة مسؤولة تجاه الغطرسة الاسرائيلية لم يكن الامر ليتطور الى ما تطور اليه… وإلى ما يمكن ان يتطور اليه في الايام المقبلة في ضوء اعلان المقاومة اللبنانية انها لن تبقى مكتوفة الايدي اذا تكرر الاعتداء على الجيش اللبناني.
الشجرة التي اراد الاسرائيليون قلعها في جنوب لبنان تخفي في ظلالها غابة كاملة من المشاكل التي يتركها العالم بلا معالجة، ويخطئ من يظن ان حريق الجنوب اللبناني اذا اندلع فانه سيقتصر على لبنان، فالمواجهات ستتعرب وستدول وسيتم فيها تصفية خلافات اكثر من ملف اقليمي… من طهران الى غزة.
من هنا، يجب ان نقرأ في الكويت والخليج التصعيد المقبل في لبنان قراءة واضحة وبعينين واقعيتين، خصوصا في ضوء ما اعلنته طهران من ان المنطقة كلها ستشتعل اذا صارت المواجهات مفتوحة على جبهات الجولان والجنوب وغزة… ولنتذكر، فقط لنتذكر، ان المفاعل النووي الايراني اقرب الى الكويت منه الى طهران.
ومن هنا، يجب ان يقرأ العالم ، وعلى رأسه الولايات المتحدة الداعم الاساسي لاسرائيل، التصعيد المقبل في لبنان قراءة واضحة وبعينين واقعيتين… بعيني الحق والعدالة لا بعيني المصلحة والظلم، رغم ان المصلحة الحقيقية للولايات المتحدة وللعالم تكمن في قيام سلام عادل وشامل في الشرق الاوسط بلا رتوش او شروط او تحفظات.
ان ما يفعله الاسرائيليون بدعم مطلق من الولايات المتحدة لا يعتبر انتهاكا لقرارات دولية ولكل المواثيق والاعراف، بل هو اجتياح تدريجي لمناطق الاعتدال العربي والاقليمي. هو خطف اسرائيلي للاعتدال العربي، وهو دفع مبرمج ممنهج لقوى الاعتدال العربي الى معسكرات اخرى… فلم تترك اميركا خيارا لهذه القوى او مساحات تتحرك بها. ليس عن عجز فحسب وانما ايضا عن قناعة، فالصبر فاض كيله من سياسة الكيل بمكيالين.
اذا ارادت الولايات المتحدة ان تترجم فعلا رغبتها في اقامة سلام عادل وشامل قائم على مبدأ الدولتين فعليها لجم اسرائيل من الاجتياح المستمر لقوى الاعتدال، سواء تعلق الامر بخسارة دور كبير بحجم تركيا او تعلق بنا كدول خليجية اضافة الى مصر وبعض دول المغرب العربي… نسمع من اميركا ملاحم عن النيات الطيبة لكننا في مواضيع الحصار الانساني في غزة ووقف الاستيطان في الضفة ومسار اساطيل السفن الحاملة للغذاء والدواء واستمرار احتلال مزارع شبعا وتلال كفرشوبة ونصف قرية الغجر والانتهاكات المستمرة للقرار 1701. في هذه المواضيع يصبح الاميركي «اطرش اعمى» تاركا للذئب الاسرائيلي ان يقوده في مسارات السياسة وخطوط النار.
شجرة الجنوب اللبناني تنبت آلاف الاشجار، فالارض خصبة بالرجال والمقاومين والكرامة والعزة والصمود… لكن معسكر الاعتدال في المنطقة يتآكل شيئا فشيئا ومن الصعب جدا اذا انهارت شجرته ان تورق في وقت قصير.
هل هذا ما تريده اميركا؟
صحيفة "الراي الكويتية"

السابق
بري: كيف يخاف وليد جنبلاط من السلاح ولا يخافه هنري حلو؟
التالي
بري: كيف يخاف وليد جنبلاط من السلاح ولا يخافه هنري حلو؟