بري: كيف يخاف وليد جنبلاط من السلاح ولا يخافه هنري حلو؟

إذا كانت متطلبات «البروباغندا» والتعبئة تستوجب من المعارضة الجديدة تركيز حملتها على «حزب الله» تحت شعار رفض وصاية السلاح، إلا أن الغبار الكثيف الذي يرافق هذه الحملة لا يحجب حقيقة أخرى وهي أن معركة سعد الحريري تكمن في جوهرها مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي «تجرأ» على كسر «الوكالة الحصرية» لرئيس تيار المستقبل في الطائفة السنية، مقدما نفسه باعتباره صاحب خيار آخر داخل هذه الطائفة.
وليس من المبالغة الافتراض بان ميقاتي أربك حسابات الحريري الذي وجد نفسه في مواجهة صعبة مع رجل يملك أوراق قوة كتلك التي يحتفظ بها في جعبته، سواء على مستوى الحيثية التمثيلية أو على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية أو على مستوى الملاءة المالية.
يواجه سعد الحريري رئيسا مكلفا يكاد يشبه رفيق الحريري. منفتح، واقعي، براغماتي، محنك، علاقات دولية وعربية، مصالح ومال الخ… يدرك ميقاتي أن الحاجة إلى سلاح المقاومة لم تنتف بعد بمعزل عن العواطف الشخصية حيال هذا السلاح، ويدرك أيضا أن المحافظة على مكتسبات الطائفة السنية لا تتحقق عبر مواجهة الشريك الآخر في الساحة الإسلامية، بل من خلال التفاهم معه.
يعرف ميقاتي ما ينتظره، لاسيما وان أعصاب سعد الحريري لم تسعفه عندما أبلغه صراحة في لحظة غضب انه لن يدعه يهنأ في رئاسة مجلس الوزراء. يستعد الرئيس المكلف جيدا لـ«الآتي الأعظم»، وهو يُعد العدة اللازمة للتعامل مع المرحلة المقبلة. وإذا كان الرجل يميل فطريا إلى الهدوء، إلا أن هذا الطبع لا يختزل كل طبيعته التي تشكل «القوة الناعمة» إحدى فصولها.
وبينما تواصل المعارضة الجديدة شحذ الهمم لتأمين أوسع مشاركة ممكنة في المهرجان الشعبي الذي دعت إليه، بدا أن سحرها قد انقلب عليها بعدما قررت إقامته في 13 آذار المقبل، ما دفع العديد من أوساط الأكثرية الجديدة إلى تسميتها قوى 13آذار، فيما بدأت أوساط أخرى تروج لتسمية «تجمع وادي أبو جميل»، باعتبار أن الطبعة الأصلية لفريق 14 آذار كانت تضم العماد ميشال عون والنائب وليد جنبلاط والوزير محمد الصفدي، قبل أن يخرج هؤلاء تباعا من هذا الفريق الذي لم يتبق منه عمليا سوى تيار المستقبل وحزب الكتائب والقوات اللبنانية.
وبعيدا عن النقاش حول الشكل، يستغرب الرئيس نبيه بري مضمون الخطاب التحريضي، وما يرافقه من هجمة غير مبررة على المقاومة، معتبرا أن هذا السلوك يعكس أحد عوارض النظام الطائفي الذي يعمي البصيرة ويدفع البعض إلى مقاربة سلاح المقاومة من زاوية مذهبية وطائفية ضيقة.
وسرعان ما يستعين بري بالتجربة الفرنسية لتقريب الصورة، لافتا الانتباه إلى أن عددا كبيرا من المنتمين الى المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني كانوا شيوعيين، في حين كان المزاج العام للشعب الفرنسي مناهضا للشيوعية، ومع ذلك فان الشعب الفرنسي وقف إلى جانب هذه المقاومة وقدّر تضحياتها متجاوزا التصنيفات الفئوية، «أما في لبنان فهناك من يتجاهل عطاءات المقاومة وإنجازاتها منزلقا الى حملة عقيمة لن تقوده إلا مكان، لان السلاح باق لاستكمال تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة ولمواجهة أي عدوان إسرائيلي».

وأمام التحولات الحاصلة في المشهد السياسي، يوحي بري بان الأحداث تكاد تتجاوز طاولة الحوار الوطني التي كانت مفيدة في تخفيف حدة التوتر الداخلي وفي إبقاء التواصل قائما بين القيادات السياسية، على اختلاف مواقعها، مستشهدا بجلسة بيت الدين التي ساهمت يومها في تبريد المناخ السياسي الذي كان ملتهبا.
ولا يلبث بري أن يستدرك مضيفا: «أما على مستوى الإستراتيجية الدفاعية، فيمكن القول بكل ثقة أن الأمر قد انتهى وان الإستراتيجية قد حُسمت منذ أن تم التوافق في البيان الوزاري لحكومة سعد الحريري على معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي تمثل أفضل صيغة دفاعية».
ويرى بري ان تراجع الحريري عن هذه المعادلة لا يعني سقوطها، «لان مثل هذه الأمور الجوهرية لا يجوز ان تكون رهينة لمزاجية هذا الشخص او ذاك، والرجال الرجال يلتزمون بكلمتهم كما قال النائب وليد جنبلاط.»
ويستهجن بري مقولة 14 آذار بان السلاح بدل هوية الاكثرية النيابية ونقلها من ضفة الى أخرى، متسائلا: هل يعقل ان يخاف النائب وليد جنبلاط من السلاح فيما لم يخف منه النائب هنري حلو (صوت مع الحريري) على سبيل المثال؟ وهل يصدق أحد ان السلاح ضغط على الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي والنائب أحمد كرامي، علما ان ميقاتي ظل حتى ما قبل وقت قصير من تسميته يؤيد ترشيح الحريري؟ ويضيف: إن من يعزف على هذا الوتر لا يعرف بالتأكيد طينة وليد جنبلاط وهؤلاء النواب.
والأكثر غرابة بالنسبة إلى بري هو اتهام الحريري لميقاتي بأنه خانه وانقلب عليه، لافتا الانتباه إلى أن رئيس تيار المستقبل يتجاهل أن ميقاتي تحالف معه في الانتخابات النيابية الأخيرة كحيثية قائمة بذاتها بعد مفاوضات من الند إلى الند وليس كتابع أو ملحق، ولو شاءت الأقدار السياسية أن يتحالف الرئيس ميقاتي والرئيس عمر كرامي والوزير الصفدي في طرابلس لكانوا قد اكتسحوا الانتخابات على حساب الحريري الذي كان سيخرج من المولد بلا حمص.
ويشير بري إلى أن ميقاتي أعلن جهارا غداة فوزه في الانتخابات عن انه ينتمي إلى خط الوسطية ويريد التبشير به، وبالتالي فهو لم يبدل في موقعه لأنه لم يكن أصلا جزءا من تيار الحريري حتى ينقلب عليه، بل إن الآخرين الذين يوجهون إليه الاتهامات العشوائية هم الذين بدلوا.
ويلفت بري الانتباه إلى أن تصنيف ميقاتي والنائب أحمد كرامي على لائحة مجلس النواب يندرج رسميا وبروتوكوليا في خانة «الكتلة الوسطية»، تماما كما هي حال النائب أسعد حردان الذي فاز على لائحة «أمل» – «حزب الله» ولكنه في اليوم التالي أصبح جزءا من «الكتلة القومية الاجتماعية» التي تضمه إلى جانب النائب مروان فارس، أو كما هي حال النائب قاسم هاشم الذي كان موجودا على اللائحة ذاتها ثم شكّل والنائب عاصم قانصوه «لائحة البعث».
صحيفة "السفير"

السابق
الرهان على الفتنة
التالي
شجرة الجنوب