في مديح السفارة الأميركية أمام سفارتي إيران وسوريا

في جميع دول العالم الاول نادرا ما يتعرّض المتظاهرون والمعتصمون للتعدي من قبل الشرطة او القوى الامنية. الا أنّه في دول العالم الثالث، ومنها لبنان، قد يصل الامر الى أن يقتل حرس السفارة مواطنا مدنيّا، وهذا ما حصل امام السفارة الايرانية العام الماضي حين قتل حرّاس السفارة الإيرانية الشاب هاشم السلمان، وقبلها تعرّض ناشطون داعمون للشعب السوري إلى تكسير عظامهم أمام السفارة السورية، فيما ينعم مناصرو حزب الله بالتظاهر، بحريّة، أمام السفارة الأميركية.

“استنكاراً للمجازر.. تنديدا بالظلم.. استنكار لعدوان.. لتدخل دولة.. دعوات للخروج من.. دعما لأسرى ومعتقلين..”، هذه كلها عناوين لمسيرات طويلة شارك فيها اللبنانيون والفلسطينيون والسوريون والعراقيون معا في لبنان منذ سبعينيات القرن الماضي أمام السفارة الأميركية. حين كانت بيروت مدينة العرب في التعبير عن الاستنكار والغضب.

الاجيال جميعها تقريبا مشت في التظاهرات بدءا من استنكار احتلال فلسطين 1984 حتّى اتفاقية القاهرة 1969 الى اجتياحات لبنان 1978 و1982 و2006، الى المجازر، الى مواجهة الانظمة العربية من المحيط الى الخليج…

وغالبا ما كانت هذه المسيرات تعود سالمة مع (قليل من البهدلة)، أي رشّ المتظاهرين، أحيانا، بخراطيم المياه الساخنة او الباردة.

وكانت الجماهير الغاضية غالبا ما تقصد شارع عين المريسة للتعبير عن استنكارها دعم واشنطن لاسرائيل، هناك حيث كانت سفارة الولايات المتحدة الاميركية محطّ رحال العروبيين وأهل اليسار.

اليوم وبعد انتقال السفارة الأميركية إلى عوكر لم يملّ اللبنانيون من يسار، الى يسار الوسط، الى الاسلام المتطرّف، من التوجّه نحو عوكر. إلا أنّ أبواب هذه السفارة ظلّت موصدة على الدوام، لكن الشوارع المحيطة بها مفتوحة أمام حريّة التعبير.
في المقابل، وفي شارع الحمرا، المنطقة التي تميّزت سابقا بأنّها “هايد بارك” عربي لبناني على أنواعه، لم يشفع هذا الشارع وهيبته وتاريخه لمنع مناصري “حزب الله” ومحازبيه، ومحازبي “الحزب القومي السوري الاجتماعي، الداعمين للنظام السوري، من ضرب المتظاهرين أمام السفارة السورية وضدّها احتجاجا على قمع الشعب السوري من قبل آل الأسد وحزب الله. فضرب مناصرو الأسد بعض الاعلاميين المعروفين، وتعدّوا على آخرين.

ففي العام 2011  تعرّض كادار بيري، وهو كردي سوري معارض ويسير على عكازين، إلى الضرب من قبل  مجموعة مؤيّدة للسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي. وراحوا يضربونه بالعصي ويدوسونه بأقدامهم، ما أدّى إلى إصابته بكسور عدّة ونقل إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي حيث يخضع للعلاج.

ولم يوفروا الطفلة حليمة معصوم تمو (9 سنوات) فضربوها بالعصي ما أدّى إلى كسر يدها اليمنى. وعندما شاهدها والدها ارتمى فوقها ليحميها فانهالوا عليه بأعقاب المسدسات، ما أدّى إلى إصابته بجروح في رأسه وجسمه، ثم لاذوا بالفرار على الدراجات النارية التي كانوا يجوبون شوارع الحمرا بها، ولم يتمكن الجيش من توقيف أي منهم.

الى هنا والقصة لا زالت مقبولة.

الا ان المعتصمين امام السفارة الايرانية اعتراضا على تدخل حزب الله في سوريا تعرضوا لاطلاق نار من قبل مجموعة من الشباب يرتدون القمصان السود هاجمتهم ما إن وطأت أقدامهم محيط السفارة. فاستشهد الشاب هاشم السلمان.

كانت تلك المرة الاولى التي يتم اطلاق نيران حيّة على متظاهرين من قبل مجموعة مسلّحة وليس من قبل الاجهزة الامنية. تلك التي تفرّجت على المشهد دون ان تتدخل.

وفي اتصال مع الاعلامية زينة الأخويّ حول قضية العنف الذي تعرّض له هاشم السلمان امام باب السفارة الايرانية، وهي صديقة  مقربة من الشهد هاشم وعائلته، قالت إنّ “التظاهرة كانت مرخّصة، بوجود الجيش والقوى الامنية، وكان الاعلام حاضرا. الا ان  الاعتداء واغتيال هاشم امام الجميع يُعد فضيحة بحقّ الدولة اللبنانية وعمل فاضح من وسفارة إيران. مع الاشارة إلى أنّ معدّات وسائل الاعلام قد كُسرت ومنعوا من تصوير ما جرى”.

وبالنسبة إلى الدعوى التي أقامتها العائلة ضدّ الجناة قالت الأخوي: “هناك دعوى موجودة لكن ثمّة تابو  وبرأيي أنّ هناك مساومات وضغوطات. لأن العائلة زارت معظم السياسيين في البلد، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ميشال سليمان. لكن وللاسف النتيجة كانت استنكارات وتنديدات لا اكثر”.

تظاهرات كثيرة شهدتها السفارات الموجودة في لبنان. من السفارة الاميركية الى القطرية والمصرية والفرنسية وغيرها، إلا أنّ العنف من قبل مجموعات حزبية لم تشهده الا السفارتين السورية والايرانية.. فهل هذه مجرد صدفة؟ ام أنّها رسالة واضحة عن خطوط حمر في لبنان يمنع تجاوزها؟ او انها تعبر فعلا عن طريقة تعاطي سفارتي هذين البلدين والمؤيّديين لهما مع كل من يعترض على سياستهما: الضرب او القتل. في حين تبقى السفارة الأميركية الأكثر “ديمقراطية”.

السابق
أغاني لبنان تمجّد العنف: كسّرلي ضلوعي… تضبضبي
التالي
اول مواجهة بين حزب الله وداعش