مصر الغاضبة من حماس.. وليس مصر المتآمرة على غزة

مصر غاضبة من حماس
الموقف المصري الرسمي او الشعبي من العدوان اﻹسرائيلي على غزة هو موقف ليس من مقاومة حماس بل من مشروعها السياسي وتأثيره السلبي على طموحات الشعب المصري وامنه القومي، وعليه فلا عتب على هذا الموقف خصوصا من قبلنا نحن اللبنانيون الذين خبرنا جيدا التجربة الفلسطينية عندما اصبح طريقها الى القدس يمر من جونية.

الموقف المصري الرسمي او الشعبي من العدوان اﻹسرائيلي على غزة هو موقف ليس من مقاومة حماس بل من مشروعها السياسي وتأثيره السلبي على طموحات الشعب المصري وامنه القومي، وعليه فلا عتب على هذا الموقف خصوصا من قبلنا نحن اللبنانيون الذين خبرنا جيدا التجربة الفلسطينية عندما اصبح طريقها الى القدس يمر من جونية.
هناك تباين كبير وعداوة معلنة بين مزاج الشارع المصري الذي أوصل المشير عبد الفتاح السيسي الى سدة الرئاسة بنسبة أصوات بلغت 96,94 % بعد انقلابه على التجربة الاخوانية في ثورة 25 يناير وما تبع هذا الانقلاب من اضطرابات واحداث امنية يتهم بها جماعة الاخوان المسلمون، وبين ما كشفته التقارير الأمنية عن دور فاعل لحركة حماس بها بوصفها احد مكونات الجسم الاخواني العالمي.

الا ان ما كان متوقعا بعد الاحداث الأخيرة على غزة هو ان تطوى ولو مؤقتا صفحة العداوة هذه على قاعدة المثل الشعبي (انا وخيي على ابن عمي، وانا وابن عمي على الغريب). وهذا بكل اسف ما لم يحصل، مما يدل على عمق حجم الهوة بين الطرفين. وان كنا كمواطنين عاديين في مثل هذه الحالة نميل تلقائيا الى جانب الطرف الفلسطيني بما يمثل من حالة مقاومة في وجه آلة الغطرسة الإسرائيلية، وما لهذه الحالة من تجذر في الوجدان الإسلامي والعربي، والقاء اللوم والعتب بشكل بدْوي على الأنظمة، بما لها من مسبوقات سلبية في تاريخ الصراع مع العدو.

واظن جازما بأن حماس تعتمد بشكل كبير العزف على هذا الوتر الحساس من أجل الدخول مرة جديدة الى الساحة السياسية المصرية ومحاولة التأثير عليها، متجلببة هذه المرة بجلباب المقاومة والدماء الغزاوية. هذا باعتبار أن المعادلة المفترضة عندها لا تزال تقول إن من لا يقف في صف المقاومة ويدعمها (على العمياني) هو حتما يكون في صف العدو الإسرائيلي وبالتالي هو فاقد للشرعية بغض النظر عن حجم التأييد الجماهيري له. هذه القراءة الخاطئة لحماس جعلتها ترفض المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار فقط لكي لا تعطي نظام السيسي دورا سياسيا لطالما لعبته مصر مبارك فضلا عن مصر مرسي، حتى لو كان هذا الرفض سيكلف الشعب الفلسطيني اثمانا باهظة، ما يعطي مؤشرا قويا أن حماس هنا لا تلعب دور المقاومة بما هو دور حام للفلسطينيين، والا كانت معنية بقبول المبادرة فورا ووقف شلال الدم. بل هي تسعى بالدرجة الأولى الى تسييل فعلها المقاوم هذا من اجل خدمة مشروعها السياسي، ما يُفقدها دورها رغم حجم التضحيات والإنجازات لصفائه وتجرده. الا أن بطلان هذه المعادلة، وإن من زمن بعيد، أوقع حماس. فقد تجاهلت المعادلة الجديدة التي فرضها تطور الاحداث والتراكم التاريخي لتجارب اﻵخرين مع الحركات الفلسطينية بكل تلاوينها. تلك المعادلة التي تقول إن أي مقاومة ضد العدو وبالرغم من قدسيتها الا انها تبقى تحت مجهر عيون الجماهير العربية بشكل عام، والمصرية هنا بشكل خاص، ويحكم عليها سلبا او إيجابا، على ضوء محمولها السياسي ووفق مشروعها الفكري والعقائدي، وليس فقط كونها مقاومة. وبالتالي فإن الحكم على الموقف المصري الرسمي او الشعبي هو موقف ليس من مقاومة حماس بل من مشروعها السياسي وتأثيره السلبي على طموحات الشعب المصري وامنه القومي، وعليه فلا عتب على هذا الموقف، خصوصا من قبلنا نحن اللبنانيون الذين خبرنا جيدا التجربة الفلسطينية عندما اصبح طريقها الى القدس يمر من جونية. ولعل التذكير يجدي هنا أيضا بأن اهل الجنوب الذين فتحوا بيوتهم وقلوبهم للثورة الفلسطينية قد رموا الدبابات الإسرائيلية الغازية بالورود والأرز ليس ترحيبا بالاحتلال بل بصفته المخلص الوحيد من التجاوزات والانتهاكات الفلسطينية حينها. وكذلك فإن الموقف السلبي المعلن لاكثر من نصف اللبنانيين في وجه حزب الله اﻵن ليس بصفته مقاومة وانما على خلفية مشروعه السياسي المرتبط بايران.

وبالتالي فعلى حماس أولا وعلى كل قوى “المقاومة” ثانيا أن تعي أن فعل المواجهة مع العدو وحده لم يعد كافيا من اجل استمالة الشارع العربي، وأن اتهام الأنظمة العربية دائما ورميها بالعمالة مرة وبالتقصير مرة أخرى بدون الوقوف على أخطاء او مسؤوليات ما تنتهجه حركات المقاومة من خيارات وما تتخذه من خطوات سياسية تحتاج بشكل دائم لعملية نقد ذاتي… لم يعد محل اجماع جماهيري وفيه الكثير من اللا موضوعية والتجني الذي يراد منه في الكثير من الأحيان الهروب من تحمل التبعات ليس الا.

لذا، لا يكفي هنا محاولة رسم علامة استفهام كبيرة على الموقف المصري بل المطلوب هو دعوة حماس لاعادة تموضعها والعمل على تصحيح علاقاتها مع الجانب المصري من اجل ردم عمق الهوة التي حفرتها بيدها، هذا ان كانت فعلا تريد مصلحة الشعب الفلسطيني ومصلحة أهالي غزة. خصوصا لما لمصر من فعالية استراتيجية يفرضها موقعها الجيوسياسي.

طبعا ان كل ما تقدم ليس اكثر من خوض في الحديث السياسي. اما الحديث بخلفية إنسانية في ظل ما تتعرض له غزة اﻵن من مجازر همجية بحق أهلها من الأطفال والنساء والمدنيين، فهذا شأن مختلف كليا. وعليه فلا يمكن فهم او تبرير عدم فتح معبر رفح على مصراعيه.

 

السابق
جورج كلوني خبير «وول ستريت»
التالي
صيدا من مركز تجاري للجنوب الى سوق لضيعة كبيرة