سييرا: ندرك القيود المفروضة على موارد الجيش اللبناني

يسلم اللواء باولو سييرا عصر اليوم قيادة «اليونيفيل» الى خلفه الايطالي الجنرال لوتشيانو بورتولانو (54 سنة) منهياً ولاية امتدت سنتين ونصف السنة، تولى خلالها مهمة هي الأصعب والأخطر في سجله العسكري الحافل.

يغادر سييرا عائداً إلى بلده إيطاليا وفي جعبته رصيد من العلاقات اللبنانية ومن الثقافة التي اكتسبها من خلال عادات المجتمع الجنوبي، إضافة للخبرة الاستثنائية التي راكمها في منطقة حساسة تقع ضمن تقاطع خطوط تماس الشرق الأوسط.
يُذكر أن بورتلانو هو الايطالي الثالث الذي يتسلم قيادة «اليونيفيل» بعد سييرا، وقبله الجنرال كلاوديو غراتسيانو، وشغل القائد الجديد لـ«القبعات الزرق» قبل وصوله منصب مساعد رئيس أركان الجيش الإيطالي، وهو خدم سابقاً في أفغانستان.
يقول سييرا لـ«السفير» إنه على الرغم من التحديات والحوادث المتفرقة في الجنوب اللبناني، «يجب ألا نغفل واقع الاستقرار غير المسبوق الذي تحقق في السنوات الثماني الأخيرة التي حملت معها تحسناً في جميع نواحي الحياة اليومية العادية في الجنوب في ظل وضع هادئ عموماً، والتزام الأطراف بوقف الأعمال العدائية»، معتبراً أن البيئة الأمنية في الجنوب اليوم تختلف استراتيجياً عن الوضع الذي كان قائماً حتى العام 2006، «من دون أن نغفل أن ثمة تحديات ما تزال قائمة»، مؤكدا أن استمرار التزام الأطراف بالقرار الدولي وولاية «اليونيفيل» هما أمران بالغا الأهمية في هذا السياق.
تتوجه «السفير» بسؤال مباغت الى سييرا عما اذا كانت «اليونيفيل» قد لاحظت أن «حزب الله» يعزز قواته في المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، فيسارع للقول إن «اليونيفيل»، «وبالتنسيق الوثيق مع القوات المسلحة اللبنانية، تقوم بدوريات ليلاً ونهاراً في جميع أنحاء منطقة عملياتها، كما تجري أنشطة مراقبة ورصد، ولا سيما عند نقاط الدخول وفي المناطق المشبوهة، وحتى الآن لم تحدث أي حالة اعتراض لأي محاولات لتهريب أسلحة جديدة إلى منطقة عمليات «اليونيفيل» عبر نهر الليطاني».

تهيئة بيئة استراتيجية

يتوقف سييرا عند الأوضاع الإقليمية الصعبة والهجمات التي عانى منها لبنان والجيش اللبناني خلال الفترة الأخيرة، ويقول: خلال هذه الفترة، كان الوضع في منطقة عمليات «اليونيفيل» هادئاً، ولم يحدث تبادل لإطلاق النار، وبذلك يكون أحد البنود الرئيسية من القرار 1701 قد تحقق، وأعني بذلك الحفاظ على وقف الأعمال العدائية».
ويشير قائد «اليونيفيل» الى أنه على الرغم من الحوادث الأخيرة وعمليات إطلاق الصواريخ في الأسبوعين الماضيين، فإن مجلس الأمن الدولي أكد أن نشر «اليونيفيل» جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة اللبنانية قد ساعد في تهيئة بيئة استراتيجية جديدة في جنوب لبنان، وقد كانت النتائج واضحة على الأرض، حيث كانت السنوات الثماني الماضية الفترة الأكثر هدوءاً التي تشهدها المنطقة منذ أكثر من ثلاثة عقود».
ويوضح أنه «من خلال استعادة الاستقرار والحفاظ عليه في الجنوب بالتعاون مع القوات المسلحة اللبنانية، توفر «اليونيفيل» الأساس الذي يمكن أن يُبنى عليه حلّ طويل الأجل للنزاع من خلال العملية السياسية، بيد أن العملية السياسية في حدّ ذاتها تقع خارج نطاق ولاية «اليونيفيل». ولكن، من خلال عملنا على الأرض، توفر «اليونيفيل» فرصة سانحة لدفع هذه العملية إلى الأمام، وهو ما ينبغي على الأطراف الاستفادة منه».

ناخذ التهديدات على محمل الجد

وعن مستقبل «اليونيفيل» وما إذا كانت مهددة، يقول سييرا «إننا نأخذ كل التهديدات على محمل الجدّ، وذلك لأن أمن أفراد «اليونيفيل» وسلامتهم في غاية الأهمية. نتخذ في «اليونيفيل» إجراءات أمن وحماية شاملة، ونراجعها باستمرار وفقاً لتقييم التهديد، هذا في الوقت الذي نواصل فيه التركيز على عملياتنا وتنفيذ ولايتنا بموجب القرار 1701، ومع ذلك، أنا لا أرى أي سبب لأحد لأن يضرّ «اليونيفيل» أو يعيق دورها، لأن ذلك يتعارض مع مصلحة اللبنانيين والسكان المحليين».
وحول الانتهاكات للقرار 1701، يجيب سييرا: «تمّ إطلاق صواريخ عدة على إسرائيل، وهذا يمثل بالتأكيد انتهاكاً للقرار 1701 وهو أمر خطير جداً، لأنه يمكن أن يفاقم التوتر ويؤدي إلى بعض الأعمال الانتقامية من جانب إسرائيل وهو أيضاً انتهاك للقرار 1701، ويمكن أن يكون من الصعب احتواء هذه الحالات. كما أن الطلعات الجوية الإسرائيلية تمثل انتهاكاً للقرار 1701. لقد استطعنا احتواء الموقف وتنفيذ ولايتنا، ولكن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق الأطراف. يتعيّن على الأطراف أن تجد وسيلة للانتقال إلى وقف لإطلاق النار وليس فقط انتظار الآخرين لمواصلة ضبط الوضع عندهم».
ويلفت سييرا الانتباه الى أن قواعد الأمم المتحدة في مجال حفظ السلام تدعو إلى البقاء على مسافة واحدة من الجميع، إضافة الى الحيادية والتوازن، «وعلى «اليونيفيل» الحفاظ على استقلاليتها وقوتها بغية استخدام ولايتها على النحو الأفضل. إن ولايتنا هي مصدر قوتنا. هذه الرسالة هي لتذكير الأطراف أن «اليونيفيل» لا يمكن أن تبقى على هذه القوة (المهمة) إلى الأبد، وأن عليهم القيام بخطوات لحلّ الوضع وخلق بيئة مواتية للسلام».
وحول تعزيز الجيش اللبناني ومدى جدية المجتمع الدولي في دعمه، يشيد سييرا بالتفاني الذي يبديه الجيش اللبناني، ويعتبره «ركيزة لقوة لبنان، وهذا الأمر أكسبه كل التقدير والاحترام، ليس فقط لدى كل الشعب اللبناني، ولكن أيضاً لدى المجتمع الدولي. في الوقت نفسه، إننا ندرك جيداً القيود المفروضة على الموارد التي يواجهها الجيش ونحن نبذل كل الجهود على كل المستويات لحشد المساعدة الدولية اللازمة لتعزيز قدراته».
ويقول: «نريد أن نرى تقدماً ونريد للجيش اللبناني أن يأخذ المسؤولية الأمنية الكاملة في جنوب لبنان. هذا هو هدفنا في نهاية المطاف وأنه لمن الضروري أن يحصل الجيش اللبناني على الموارد التقنية والمادية التي يحتاج إليها لأداء مسؤولياته الحيوية».
ويضيف سييرا: «تحقيقاً لهذه الغاية، نحن نجري تدريبات مشتركة، وفي كل مناسبة ممكنة نحثّ المجتمع الدولي على تزويد القوات المسلحة اللبنانية بمساعدة ودعم لتعزيز قدراتها. كما أننا منخرطون في حوار استراتيجي مع القوات المسلحة اللبنانية، وهو تمرين مهم جداً في الاستعراض التدريجي للارتباط المتلازم بين قدرات «اليونيفيل» ومسؤولياتها وتلك الخاصة بالجيش اللبناني».

حيوية الاجتماعات الثلاثية

وحول جدوى الاجتماعات الثلاثية، يعتبر سييرا أن «اليونيفيل» «تأخذ على محمل الجد أي انتهاك للقرار 1701 وتتعامل سريعاً مع أي تقرير عن مثل هذه الحالات، وعند وقوع أي حادثة على الخط الأزرق، أو عند وقوع أي عملية إطلاق صواريخ وغيرها، تنشر «اليونيفيل» على الفور قوات إضافية في موقع الحدث لتجنب النزاع المباشر بين الجانبين ولضمان عدم خروج الوضع عن نطاق السيطرة. وفي الوقت نفسه، تتواصل مع القوات المسلحة اللبنانية والجيش الإسرائيلي لإعادة الوضع إلى طبيعته من دون أي تصعيد. إن تركيزنا منصبّ على ضمان الاحترام الكامل للقرار 1701 ومنع وقوع انتهاكات لبنوده بغض النظر عن الطرف الذي يبادر إلى الخرق. تتعامل «اليونيفيل» مع جميع الأطراف بإنصاف. وفي النهاية، يتم إبلاغ الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن عن جميع الحوادث وانتهاكات الخط الأزرق».
ويؤكد سييرا أن الارتباط والتنسيق بين «اليونيفيل» والأطراف من خلال القنوات الثنائية والثلاثية «هما ذوا أهمية حيوية لضمان التنفيذ الكامل للقرار 1701، بما في ذلك الحفاظ على وقف الأعمال العدائية واحترام الخط الأزرق والبنود الأخرى ذات الصلة. وقد أثبت المنتدى الثلاثي، الذي يحظى بالمشاركة الكاملة والفعالة من الأطراف، أنه فعال في معالجة القضايا الرئيسية الأمنية والعسكرية العملياتية، فضلاً عن أنه آلية أساسية ناجحة لبناء الثقة بين الأطراف ومنع التصعيد والحوادث، إضافة إلى كونها آلية أساسية للجم الوضع في اللحظات الحرجة».

اجتماع ثلاثي في الناقورة

تناول الاجتماع العسكري الثلاثي العادي، الذي عقد في موقع تابع لقوات “اليونيفيل” على معبر رأس الناقورة، برئاسة قائدها العام السابق الجنرال باولو سييرا، وضباط من الجيش اللبناني و”اليونيفيل” والجيش الاسرائيلي، “تطبيق البنود ذات الصلة بقرار مجلس الأمن الدولي 1701، بما في ذلك الوضع على طول خط الانسحاب الخط الأزرق، وعملية وضع العلامات المرئية الجارية على الخط الأزرق والانتهاكات والحوادث، إضافة إلى مسألة انسحاب القوات الإسرائيلية من شمال قرية الغجر”. كما حضر الاجتماع أيضا لاول مرة رئيس بعثة “اليونيفيل” قائدها العام المعين حديثا الجنرال لوتشيانو بورتولانو، الذي سيتولى قيادة “اليونيفيل” اعتباراً من اليوم.
وإذ أشاد سييرا، في بيان لـ”اليونيفيل”، “بتنسيق الطرفين مع اليونيفيل”، شدد على “أهمية هذه الاجتماعات”، وقال: “إن المنتدى الثلاثي هو آلية لا غنى عنها لبناء الثقة، حيث أثبت فعاليته في احتواء الحوادث والانتهاكات ولجم الوضع في اللحظات الحرجة”.
وأضاف: “لقد تلقيت تأكيدات من الأطراف بأنهم يريدون الإستمرار في العمل بشكل وثيق مع “اليونيفيل”، من أجل الحفاظ على الهدوء في المنطقة”.

السابق
المفتاح في يد السيسي
التالي
هل ينجح كيري؟