معركة القلمون: استنزاف حزب الله.. وتعطيل حركته

القلمون
بدأ حزب الله بإقامة مراكز ثابتة محصّنة على رؤوس الجبال في القلمون كما فعلت القوات الاسرائيلية عندما احتلت جنوب لبنان، فهل سيضعف ذلك قوات المعارضة، أم أنّ قوات حزب الله ستلقى الهزيمة على أيدي السكان المحليين، ولو بعد حين، كما لاقت إسرائيل هزيمتها على يديه وأيدي أهالي الجنوب والبقاع الغربي؟ وهل يمكن القول إنّ حزب الله دخل رسميا في حرب استنزاف رسمية بالقلمون، بعدما كان ينتصر في معارك سريعة، داخل سورية؟ وهل عطّلت معركة القلمون التي بلا أفق إمكانية "اجتياح حلب" ولاحقا الدفاع عن دمشق؟

منذ أكثر من أسبوع والمعارك ما زالت مستمرة في إقليم القلمون السوري المحاذي للحدود اللبنانية بين حزب الله و مقاتلي المعارضة السورية وعلى رأسهم جبهة النصرة، كما تتواتر الأنباء عن سقوط مئات القتلى والجرحى من الطرفين. وهناك أرقام تقول إنّ اعداد قتلى حزب الله وجرحاه تزيد عن المئة، وهو الرقم الأكبر، خلال أسبوع واحد، منذ تدخّل حزب الله في دعم نظام الأسد وقمع الشعب السوري.
هذه المعارك العنيفة تتردّد صداها في بلدة عرسال حيث تحفل جرودها الشرقية بصولات وجولات وكرٍّ وفرّ بين الفريقين، إذ أنّ أراضيها التي تتداخل فيها الحدود غير المرسّمة بين لبنان وسوريا منذ الإستقلال، هي ساحة معركة بامتياز مثلها مثل جرود اللبوة اللبنانية أيضاً، وهو خطٌّ يمتد حوالي المئة كلم معظمه جبال وأودية .

فأحد القاطنين في البلدة أكّد لـ”جنوبية” أنّ ليلة أمس (الثلاثاء) كما كلّ ليلة كانت حافلة بالمعارك وأصوات الرصاص ودوي القذائف المستمر. واللافت حسب قوله أنّ “هذا القتال لا يتوقف ليل نهار، ونتيجةً لذلك فإنّ أهالي البلدة لم يستطيعوا الذهاب إلى بساتين الكرز والمشمش التي يملكونها خوفاً على حياتهم، وبعضهم يذهب قبل الفجر بقليل لجني القليل من المحصول والعودة بسرعة إلى البلدة قبل شروق الشمس وانكشاف أمره”.
أحد الناشطين على الفايسبوك، وهو في صفوف المعارضة السورية واسمه “أبو هدى الحمصي” قال لـ”جنوبية” إنّ “مقاتلي حزب الله يتعرّضون كلّ يوم ليلا ونهارا لكمائن ينصبها المقاتلون السوريون وعدد الضحايا بصفوفهم في تزايد مستمر. وحتّى لو تمكّن حزب الله من الانتشار بشكل كامل على الحدود بين لبنان وسوريا فاصلاً عرسال وجرودها عن المسلحين السوريين، فإنه لن يتمكّن أبداً وبسب الطبيعة الجغرافيّة الوعرة من ضبط الحدود الجنوبيّة الشرقيّة للقلمون مع ريف دمشق ومدينة الزبداني التي يتلقى منها المقاتلون المدد من متطوعين جدد والعتاد والتموين، حتّى لو نشر الحزب آلاف المقاتلين”.
في المقابل فإنّ مصدراً عسكريّاً في حزب الله أسرّ لـ”جنوبية” أنّه “بعد سيطرة قوات الحزب على جميع المدن والقرى الرئيسيّة في القلمون قبل خمسة أشهر وعلى رأسها مدينة يبرود وهي أكبر تجمّع سكاني فيه، فإنّ تحدّياً آخر برز في هذه المرحلة مع حشد حوالي ثلاثة آلاف مقاتل معارض في جرود هذا الاقليم بدأوا منذ شهرين بشن هجمات على مواقع الحزب الثابتة وقوافلهم المتحركة موقعين خسائر جسيمة. ويختبىء هؤلاء المقاتلون في مغاور وأنفاق حفروها، وهم يتمتعون بخطوط إمداد تمكن الحزب من التّضييق عليها من جهة عرسال وحتى قطعها بعد العمليات العسكريّة الأخيرة والهجوم الذي بدأ في المنطقة منذ أسبوع، غير أنّ المسالك والممرات المؤدّية إلى ريف دمشق والزبداني خصوصا لا يمكن السّيطرة عليها بسهولة بسبب اتساعها وطول المسافة وكذلك وعورة المناطق التي تسلكها قوافل الإمدادات القادمة الى هؤلاء المسلحين”.
وأضاف المصدر العسكري التابع لحزب الله أنّ الحزب “بدأ بإقامة مراكز ثابتة محصّنة على رؤوس الجبال كما فعلت القوات الاسرائيلية عندما احتلت جنوب لبنان، من اجل كشف المسلحين الذين يعبرون تلك الاودية والممرات”. الا ان المصدرعبّر عن تشاؤمه: “إذ أنّ إقامة هذه النقاط الثابتة سوف تجعلها في مرمى نيران المسلحين بشكل دائم، وهذا من شأنه أن يوقع المزيد من الشهداء والإصابات في صفوف قوات حزب الله،” متسائلا عن “جدوى الغرق في هذا المستنقع، إذ أنّ زجّ الاف المقاتلين في هذه المساحة الكبيرة غير المأهولة في جرود القلمون من شأنه أن يشغل قوات حزب الله بشكل دائم، كما أنه عطّل خططاً ومهاماً عسكرية كانت مرسومة في هذه المرحلة، وأهمها مؤازرة القوات السورية في هجومها الرئيسي على مدينة حلب، وهو الهجوم الذي توقّف وتعطّل بعد أن بدأ قبل أسبوعين، بسبب تلك المعارك التي استجدّت على حدود لبنان الشرقيّة في القلمون واضطرار الحزب الى الحشد من اجل شن الهجوم الرئيسي على جبهة النصرة وحلفائها في هذا الاقليم”.
إذا، وكما فعلت قوات الاحتلال الاسرائيلية الغازية لمواجهة عمليات المقاومة الوطنية والاسلامية في الجنوب اللبناني، يسعى حزب الله كقوة غازية إلى إقامة مواقع ثابتة في النقاط الاستراتيجية بأعالي جبال القلمون على الطريقة الاسرائيلية ليضبط حركة المسلحين السوريين الذين يقاومونه. وغني عن القول إنّه كما فشلت اسرائيل في الحدّ من عمليات المقاومة وتكبدت خسائر جسيمة في الارواح والعتاد قبل ان تضطر الى الانسحاب تحت ضربات المقاومة التي قادها حزب الله في سنواتها الاخيرة، وقبله المقاتلون البعثيون والشيوعيون وغيرهم من أهالي الجنوب، فإنّ هذا الحزب سوف يضطر الى الانسحاب عاجلا ام آجلا تحت ضربات من يقاومونه من اصحاب الارض. هو الذي لا يملك ربع ما تملكه القوات الاسرائيلية من إمكانات عسكرية ولوجستية وبشرية ومالية.

السابق
وفد من قوى 14 آذارفي مجلس النواب
التالي
بو صعب: سيكون هناك قرار يسمح للطلاب بالدخول الى الجامعات