عيادات إلكترونية «وهميّة» للعجز الجنسي وقطعِ الشهية

غثيان، صُداع، حرارة مرتفعة، إنحلال في الركبتين… بدأت صحة رشيد تتدهور تدريجاً، من دون أي سابق إنذار. للوهلة الأولى إعتقد أنه مجرد زكام حاد نتيجة تبدّل الطقس. ولكن بعدما ساءت حالته الصحية قصد الطبيب، ليتبين أنه يلجأ منذ فترة إلى التداوي عبر الخدمات الطبية التي تقدمها المواقع الإلكترونيّة مجاناً لزوارها، من وصفات وأدوية. كيف يُمكن الحد من مخاطر تلك المواقع والمنتديات؟ من المسؤول عن التلاعب بصحة المرضى؟
بدأت مخاطر الخدمات الطبّية الإلكترونية تنكشف تدريجاً في موازاة حملةٍ لمكافحة «الصيدليات الإلكترونية» أطلقتها إدارة الأغذية والدواء الاميركية (FDA).

وتحديداً بعد نشر دراسة شملت نحو 10 آلاف صيدلية إلكترونية، تبيّن أنّ 97 في المئة منها غير شرعية، ما دفع بمفوّضة إدارة الـFDA مارغريت هامبرغ (Margaret Hamburg) إلى رفع الصوت عالياً، مُحذّرة: «شراء الأدوية من الصيدليات على الإنترنت يمكن أن يكون خطيراً، لأنّها قد تبيع أدوية وهميّة، ومُنتهية الصلاحية، أو ملوّثة، ومرفوضة من قِبل إدارة الإغذية والأدوية الاميركية».

«معظم تلك الخدمات مغشوش… وقد تخطّينا الحدود المقبولة». بنبرة حاسمة يُعرِبُ نقيب الأطبّاء أنطوان لطف الله البستاني، في حديث لـ«الجمهورية»، عن استيائه من أسلوب «التسخيف» و«التسطيح» في التلاعب بصحّة المواطن، وتحديداً في لبنان.

لذا يسارع إلى قرع ناقوس الخطر قبل أن يتحوّل اللجوء إلى الخدمات الطبّية الإلكترونية إلى رهجة لدى اللبنانيين كما في الدول الأجنبية، قائلاً: «ما مررنا به في لبنان من تجارب لم يكن مشجّعاً أبداً، ولم نكن لنبلغ هذا المصير لولا وجود حماية سياسية أو طائفية، حتى الآن لم نتخلّص من تداعيات موجة الأعشاب الطبّية والبرامج التلفزيونية المروّجة لها.

أضِف إلى ذلك ما نشهده من نموّ لمحلّات تجارية مخصصة للتجميل أو التدليك، توسِّع خدماتها تدريجاً لتلامس المجال الاستشفائي الطبّي من دون حسيب… حتى جاءت المنتديات والمواقع الإلكترونية التجارية المتلطّية بعباءة الطبّ، لتزيد الطين بلّة، موهِمةً زائريها بأنّها عيادات إلكترونية».

غالباً ما تكون الخدمات الطبّية المقدّمة عبر تلك المواقع مجانية، أو مقابل «فَأسِة زرّ» على حدّ تعبير أحد الزوّار المستفيدين. يكفي أن يسجّل المرء بريده الإلكتروني وينضمّ إلى الأعضاء المنتسبين حتى يطرح ما يشكو منه صحّياً. بعض تلك المواقع سهّل المسألة مكتفياً بالضغط على كلمة «أعجبني»، ليصبح بإمكان أيّ شخص الإستفسار عن وضعِه الصحّي وتبادل الوصفات.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عدداً من الجهات المشرفة على هذا النوع من الخدمات الطبّية أشار إلى أنّ نخبة من الاختصاصيّين والمعالجين تجيب عن الأسئلة في أسرع وقت ممكن، ولكن من دون طرح سيرتهم الذاتية، ما يعزّز الشكوك حول صدقية الإجابة.

أمّا فئة أخرى من المشرفين فلم تكلّف نفسها حتى عناء تحديد مصدر المعلومة، فتركت المجال مفتوحاً: «كلّ من يجد في نفسه الكفاءة للإجابة عن الأسئلة، نرجو أن لا يبخل علينا بمعلوماته، ونحن بدورنا لن نبخل في الإجابة».

لا ينكر البستاني تأثير «المجانية» في ازدياد روّاد تلك المواقع، بموازاة باقي التسهيلات التي أدخلتها التكنولوجيا وثورة الإتصالات. ولكن في الوقت عينه يشدّد على أنَّ «صحّة المريض مِش مَزحة»، لذا يحذّر من خطورة التشخيص الإلكتروني.

ويُنهي كلامه متوجّهاً إلى كلّ مريض قائلاً: «يمكن اللجوء إلى الانترنت للتثقيف الذاتي ليس أكثر، شرط التنبُّه إلى أنّ كثرة المعلومات قد تزيد المريض توتّراً وقلقاً نتيجة نقص في المعلومة الطبّية الإلكترونية».

أدوية مشكوك بمصداقيتها

منتهية الصلاحية، مجهولة المصدر، مرفوضة في بلد معيّن، مزوّرة، مغشوشة، مُخزّنة في ظروف مشبوهة… تتعدّد التُّهم الموجّهة إلى بعض الأدوية المروّج لها عبر الانترنت وتتنوّع، لا سيّما بالنسبة إلى المواقع التي تبيع الأدوية بأسعار مخفّضة، وكأنّ للتداوي مواسم تنزيلات وحسومات.

ما هي مخاطر شراء الأدوية عبر المواقع الإلكترونية؟ سؤال توجَّهنا به إلى نقيب الصيادلة ربيع حسّونة، فأجاب: «في البلدان المتطوّرة لا تزال الصورة مُبهمة، فكيف بالحري بالنسبة إلى الدول النامية! لذا لا يكفي عرض صورة الدواء للتأكّد من فعاليته وجودته، فَالحِيل كثيرة، أحياناً يمكن التلاعب بحرف في الإسم أو يغيب الذِكر الواضح للجهة المُصنّعة، أو تاريخ الإنتاج أو مدّة الصلاحية، وغيرها من التجاوزات المُضرّة بالصحّة. وأبعد من ذلك، قد تكون الأدوية صالحة، ولكنّ ظروف التخزين مجهولة.

فمن يضمن بأنّها ليست فاسدة أو مغشوشة، أو مرفوضة في بلد ما وتمّ عرضها عبر الإنترنت للتخلّص منها؟ كيف نتأكّد ما إذا كانت الأدوية مَحميّة من الرطوبة أو الحرارة المرتفعة وغيرها من الظروف المناخية المؤثّرة في فعالية الدواء؟ صحّة الإنسان لا تتحمّل الرهانات».

يؤكّد حسّونة محاربته الطبابة الإلكترونية إلى أقصى الحدود: «أنا ضد الفكرة مليون بالمئة، ولا ينبع رفضي من خوفي على تقلّص دور الصيدلاني، إنّما حفاظاً على صحة المريض»، مشيراً إلى أهمّية دور الصيدلاني: «هو خبير المادة التي تصرف إلى المريض، يدرك طريقة استخدام الدواء، يُنبّهه من تداعياته الجانبية، كما قد يأخذ فكرة عن مسار حياة المريض الصحّية ولا يتردّد في الاتصال بطبيبه في حال ملاحظته تدهوراً ما في صحَّته، لذا غالباً ما لا يتمّ تسليم الدواء إلّا إلى صاحب العلاقة مباشرةً أو لوليّ أمره».

بين قطعِ الشهية والعجز الجنسي

في جولة سريعة على الإستشارات الطبّية الإلكترونية، يتبيّن أنّ معظمها يدور حول: قطع الشهية، محاربة التجاعيد، محاربة العجز الجنسي. أمّا العقاقير والأدوية الأكثر رواجاً فهي: المنوّمات، المُهدّئات، والمنشّطات الجنسية.

في هذا السياق يحذّر نقيب المستشفيات سليمان هارون، في حديث لـ«الجمهورية»، من غياب الرقابة عن تلك المواقع، فيقول: «أجمعَت الدراسات على أنّ معظم الادوية على الانترنت مُهرّبة، وفي لبنان تحديداً لا يزال السوق محكوماً بالفوضى ويحتاج إلى تنظيم، والدليل ما يتمّ ضبطه من مستودعات مخالفة من حين إلى آخر، فكيف يمكن ضبط المجال الإفتراضي الإلكتروني؟».

كيف تكشف «العيادات» الوهميّة؟

إذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه، فهناك جملة مؤشّرات تَكشِفُ حقيقة هويّة العيادات الإلكترونية والصيدليات، يمكن للمريض النجاة من فَخّها إذا تَنبّه لوجودها.

• تُتيح للمستخدم شراء أيّ دواء مهما كانت خطورته، من دون وصفة طبّية.

• تقدّم حسومات كبيرة، تعرض الأدوية بأسعار رخيصة.

• لا تعرض سِيَر أطبّائها الذاتية واختصاصاتهم بوضوح.

• لا تفصح عن عناوينها (أرقام الهواتف، البريد…).

• لا تعرض الرخصة الرسمية الحائزة عليها من الدولة.

السابق
الاسد لرفعت عيد:’سدّ بوزك’
التالي
بالفيديو.. لغز المرأة التي تجر «الرجل الكلب» في لندن