الدولة والدين: الإسلامُ عَلمانيُّ سياسيًّا

محمد حسن الأمين
السلطة في الإسلام موضوع بشريّ، أمّا الشريعة فهي من لدن الله، ومن غير الجائز أن تقوم سلطة في الإسلام تتذرَّع وتتدرّع بحقِّ غير زمنيّ. هي إشكالية طرح العلمنة إسلاميّاً، إذ كيف يمكن أن نقوم بثورة علمنة داخل الإسلام؟ والإسلام يقدّم لنا أصفى رؤية عن العلمنة نفسها؟! إنّه في وجهه السياسيّ علمانيّ، ما دام لا يضع السلطة في يد أحد، ولا يبيح لأحد أن يدّعي امتلاكها بقوّة الحق الإلهيّ.

ليس كلّ إنجازٍ نتاج حضارة مختلفة عن حضارتنا بمرفوض عندنا. فالقوميّة مسألة غربيّة حقّاً إلاّ أنّها واقع موجود يتشكّل من خلال اللغة المشتركة، والعيش المشترك، والتاريخ المشترك، وبهذه الصفة لها مكان عندنا. واستطراداً.. الدولة إنتاج غربيّ، ولكن ليس في الإسلام ما يمنع الأخذ به، كونه في النهاية نتاجَ تجربة إنسانيّة. كما أنّه نتاج حياديّ بتشكيله الإطار العام للحياة السياسية. ولا مانع يحول دون أخذ المسلمين بفكرة الدولة وصيغتها أيضاً وقد فعلوا. كما لا إشكال في قيام هذه الدولة، مع العلم أنّ الدولة في الإسلام كيانٌ سياسيّ متحقّق، حتى ولو لم يحمل اسم الدولة أو يتّحد بها مفهوماً.

فمنذ قيام دولة المدينة في عهد الرسول (ص)، مروراً بدولة الخلفاء الراشدين، فالعباسيّين وصولاً إلى الدّولة العثمانية، كان هناك مفهوم كيانٍ سياسيّ جامع، ما أطلق عليه لقب الدولة. لكن حمل اسم ديار الإسلام. هذا المفهوم يمكن أن نطوّره اليوم فنرادف بينه وبين الدولة كما يمكن أن نقتبس الشيء الكثير من تنظيمات الدول الغربية، لأنّ هذه تبقى إنجازات إدارية حياديّة في النهاية، ولا تأثير لها في البنية الداخليّة للقيم والاتجاهات والأخلاق.

الإسلام وفكرة الدولة.. ذكراً وإغفالاً

ربّ سائل.. بعدُ: هل إنّ الدولة في الإسلام ضرورة؟ على معنى الاختيار القاطع بين افتراضين: فإما يكونُ له دولة أو لا يكون؟ أو بطريقة أخرى: إما أن تكون هناك دولة إسلامية ومعها إسلام حقيقيّ ووجود فعليّ للإسلام، أو يصبح هذا الإسلام غائباً غياباً كليّاً عن المجتمع السياسي إذا ما انتفى وجود هذه الدولة!

الحق أن الإسلام يتضمن فكرة الدولة، والسبب بسيط، هو أنّه عقيدة وشريعة، ولكي تنبّه هذه الشريعة تحتاج إلى دائرة من الاجتماع السياسيّ يقوم نظامها على هذه الشريعة. إذاً الإسلام يتضمّن فكرة الدولة.

طبعاً بعض الباحثين الفقهاء المطلعين يلاحظون أن لا باب متخصّصًا بنظام الدولة أو بهيكليّة الدولة في الفقه الإسلامي، في حين أنّ ثمة أبواباً تتعلّق بالإيجار، بالطلاق، بالزواج، وسائر شؤون المجتمع.

كذلك النص الإسلامي الأهم بل الأول وهو القرآن الكريم. فإذا استعرضنا كتاب الله نخلص بأن لا آيات تتحدث بدقة عن وجوب دولة في الإسلام. إذاً إطار الدولة، هيكلية الدولة، لم يتحدث عنهما الإسلام. فلماذا أهملَ الإسلام هذه المسألة الحساسة؟

نحن لا نعتقد أنّ هذا الفراغ جاء عبثيّاً في النص الإسلامي، وهو مقصود لسبب أساسي، ذلك أنّ فكرة الدولة فكرة متغيرة خاضعة للتطوّر، حتّى ما يمكن اعتماد هيكليّة ثابتة ودائمة لها. فاستبقى الشرعُ على هذا الفراغ تقصُّداً ليملأه المسلمون أنفسهم.

ونسمع كلاماً في أوساط بعض الاتجاهات الإسلامية عن إعادة دولة الخلافة كما في عصر الخلفاء الراشدين ونقول: إنّ تجربة الخلفاء الراشدين، على عظمتها، كانت تجربة تاريخية، بمعنى أنّها على علاقة بالتاريخ، وليست تجربة دائمة وثابتة بالمطلق، وإلاّ لتأيّد الأمر بنصّ إلهي وعلى الأقل وجب أن يصدر نصّ نبويّ يحدّد هيكليّة الدولة في الإسلام. ولمّا لم يصدر هذا النصّ، فهذا يعني بالضرورة أنّ الناس هم الذين يختارون شكل الدولة، وهم الذين يحدّدون هيكليّتها.

الإسلام والسلطة.. ائتلافاً وانحرافاً

يجبُ أن نميّز، ونحن نتكلّم على الدولة، بين مفهومين اثنين في الإسلام نفسه، تمييزاً يساعدنا في إدراك شكل الدولة وهيكليّتها إدراكاً بشرياً وليس إلهياً.

فالإسلام شريعة، وهذه الشّريعة بحكم العقيدة الإسلامية هي شريعة إلهيّة. وفي واقع الناس سلطة، وهي بالطبع سلطة بشريّة. نحنُ كمسلمين لا يمكن أن تواجهنا إشكالية العلمنة. فهذه في جانبها السياسي حدثت في أوروبا من أجل أن تضع السلطة في إطار بشريّ، وتمنع عنها أي اتّصال بالحقّ الإلهي. عندنا في الإسلام هذا الأمر غير وارد، لأنّ السلطة شأن بشري، ولا علاقة له بالحق الإلهي.

ربَّ متذرّع بأنّ التاريخ الإسلامي ينطق بأكثر من شاهد على أنّ بعض الخلفاء والسلاطين والحكّام زعموا أنّهم يحكمون باسم الحقّ الإلهي. وردُّنا أنّ ما جرى كان انحرافاً عميقاً عن العقيدة الإسلاميّة نفسها، فهذه لم تعطِ الحاكم، قطُّ، حقّاً كهذا على الإطلاق.

السلطة في الإسلام موضوع بشريّ، أمّا الشريعة فهي من لدن الله، ومن غير الجائز أن تقوم سلطة في الإسلام تتذرَّع وتتدرّع بحقِّ غير زمنيّ.

هي إشكالية طرح العلمنة إسلاميّاً، إذ كيف يمكن أن نقوم بثورة علمنة داخل الإسلام؟ والإسلام يقدّم لنا أصفى رؤية عن العلمنة نفسها؟! إنّه في وجهه السياسيّ علمانيّ، ما دام لا يضع السلطة في يد أحد، ولا يبيح لأحد أن يدّعي امتلاكها بقوّة الحق الإلهيّ.

السابق
لعبة لمستخدمي الاندرويد يتحول فيها السيسي إلى بطل خارق
التالي
سباق بين المخدرات وبين العلاج من إدمانها جنوبا