جنبلاط جعل بهيج أبو حمزة عبرة لمن اعتبر؟

ماذا عن الحريات؟ ماذا عن "ربيع العرب"؟ ماذا عن الكرامة الإنسانية؟ هي من الربيع في شيء رمي الخصوم في السجن؟ والاستقواء بالأمن والقضاء عليهم؟ وهل الخصومة المالية تختلف عن تلك السياسية؟ أم أنّ "الشخصي" هو الأساس، ماليا كان أو سياسيا أو غيره؟ وألا يتصّرف معظم "الزعماء" اللبنانيين، في إماراتهم، كديكتاتوريين؟ و"يناصرهم" ديكتاتوريو المناطق الأخرى ظالمين كانوا أو مظلومين؟

لنفهم حيثيات توقيف رجل الأعمال الدرزي بهيج أبو حمزة، بدعوى من الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، علينا أن نوسّع البيكار قليلا لنرى الصورة أوسع.

يقول النائب السابق نجاح واكيم إننا في لبنان نعيش على فتات موائد “زعماء مافيات الطوائف”. فلا عجب أن يتماهى زعيم الشوف النائب وليد جنبلاط مع زعيم الجنوب رئيس مجلس النواب نبيه بري. وإذا كان يُطلق عليهما سياسيا اسم: “الصديقان اللدودان”، فهذا لأنّ حبل الودّ ما انقطع بينهما في عزّ الأزمات السياسيّة الحادّة بين الفريقين المتنافرين 8 و14 آذار. ولقب “الحوت”، أي المافيا الماليّة – السياسية،  يمثّلها كلّ زعيم طائفة، وهو لقب يختصر واقع حال الزعيمين، وبقيّة الزعماء.

ليس أدلّ على ذلك سوى ما يُشاع، من دو إثبات موثّق، عن عدم السماح لأي مشروع خاصّ، إنمائي أو سياحي كبير، بدخول الجنوب أو الشوف دون “جمركته” بنسبة مئويّة للزعيم. هي شائعات غير مؤكّدة، لكنّ المقيمين في هاتين المنطقتين، ورجال الأعمال، والناس العاديين، يتعاملون مع هذه الأخبار على أنّها حقيقة. ويُشاع أنّ النسبة تتراوح بين 51 و65 %. وأحيانا ليس بالضرورة” التشبيح”. قد يدفع الزعيم النسبة التي تتطلّبها الشراكة، لكنّه يكون بذلك شارك المشروع و”الفكرة” مجانا. ويقول رجال أعمال إنّ الزعيم يشترط فرض أسماء العمّال لمنع أيّ رجل أعمال من بناء قاعدة شعبية.

وقد أدّت هذه الممارسات “المافياويّة” إلى هروب المشاريع وأصحابها من هاتين المنطقتين إلى مناطق بيروت وضاحيتها الجنوبية المحرّرة من سطوة رئيس”حركة المحرومين”. كذلك إلى باقي أنحاء جبل لبنان المحرّر من سطوة الزعيم الجبل من جهة ثانية.

اليوم تبرز مسألة توقيف رجل الأعمال الدرزي بهيج أبو حمزة، الذي اعتُبر لأعوام طويلة بمثابة «الأمين» على أملاك الزعيم وليد جنبلاط وعقاراته وأمواله وكان ممثّله في مجلس إدارة معمل سبلين وشركة كفريا لصناعة النبيذ. وقد طرح توقيفه، الذي أحدث ضجّة كبيرة في لبنان،  تساؤلات عدّة حول مصير”رئيس بيت مال” الزعيم عندما يخون ثقته ويسيء الأمانة التي أوكله إياها. أو ربما حين يختلف معه حول شأن آخر، فيرميه في السجن. خصوصا مع تصريحات عديدة نُسِبَت إلى جنبلاط ومفادها أنّ أبو حمزه “سيكون عبرة لمن اعتبر”.

يُذكر أنّ نادي الصفاء (لكرة القدم، المحسوب على الدروز وجنبلاط) رفع شكوى قضائية ضدّ أبو حمزة، الذي شغل حتى الامس القريب مركز رئيس أمنائه، بعدما تولّى منصب الأمين العام للاتحاد اللبناني لكرة القدم من عام 2001 الى 2005. والدعوى هي اتهامه بجرم اختلاس 5 ملايين دولار قيمة إخلاء أرض ملعب النادي في وطى المصيطبة التي دفعها صاحب العقار “وقد وضعها ابو حمزه في حسابه الخاص”.

أمير الجبل، في الحرب والسلم، جنبلاط، حرّك عبر قريبين منه شكوييْن بحقّ أبو حمزة، واحدة من ضمن الدعوى التي رفعها جنبلاط على تاجر العقارات حسين بدير (متموّل شيعي) على خلفية إقدامه على شراء عقارات في وادي أبو يوسف على مدخل الشوف، وتواطئه مع أبو حمزة على إقناع الزعيم الدرزي بضرورة شراء هذه الاراضي منعاً للتمدّد الشيعي في الجبل. وذلك على أساس أنّ مساحتها حوالي 830 ألف متر مربع، دفع جنبلاط ثمنها نحو 25 مليون دولار، ليتبيّن له لاحقاً أنّ مساحة ما اشتراه تنقص حوالي 250 الف متر مربع عن الاتفاق، وأنّه دفع تالياً نحو 8 ملايين دولار ثمن أراض وهمية وأنّ سعر المتر «الحقيقي» الذي اشتراه مضخّم.

وهناك شكوى ثالثة مقدّمة من جنبلاط نفسه وتتعلق باستغلال أبو حمزه للتوكيل المصرفي المعطى له من قبله.

في تصريح له أمس منتقدا “الفساد” قال جنبلاط وحذّر من “تفاقم أزمة سلسلة الرتب والرواتب”، ف يحديث لجريدته “الأنباء”: “غريب وعجيب عدم توفر أي أرقام نهائية او محددة للتكاليف الفعلية للسلسلة وللأعباء المالية التي ستتركها هذا العام والاعوام المقبلة”. وسأل: “ما الذي يفسّر عدم تزويد الرأي العام اللبناني بهذه الأرقام كما هي حقيقة كي يُبنى على الشيء مقتضاه”. وأضاف: “غريب كيف أنّ كلّ النقاشات لا تقارب مكامن الهدر الاساسية وفي طليعتها الجمارك، وتحديداً في المرفأ والمطار، حيث تبيّن مقارنة سريعة بين أرقام عامي 2009 و2014 التفاوت الرهيب والمريب المحقّق في الواردات، رغم تضاعف الحركة والاستيراد عبر هذين المرفقين”.

صحيح…وغريب فعلا: كيف لا يُحاكَم العديد من مدراء الجمارك وأصحاب المناصب الحسّاسة في الإدارة الماليّة والاقتصاديّة للدولة. ربّما لأنّ “رؤساء مافيات الطوائف” في وطننا “المزرعه” ما زالوا “شغّالين”، يجلبون خيراتهم المختلسة من المؤسسات العامة المقدّرة بملايين الدولارات ويضعونها في الحسابات المصرفيّة لأولياء نعمتهم، زعمائنا العظام، وإذا أزعج أحد “فتوّات” المال زعيمه، فمثل أيّ ديكتاتور عربي، يرميه في السجن ويشوّه سمعته.

بهيج أبو حمزه هو اليوم “عبرة لمن اعتبر”… فإيّاكم وخيانة الزعيم!

السابق
قرار اتهامي بجرم الانتماء الى داعش
التالي
الشرطة وثقافة الاستقواء في لبنان