مثقف جنوبي مستاء: جعلوا الجنوب مجالس عزاء لا تنتهي

هي جلسة مؤثرة مع مثقف جنوبي يرى أنّ الجنوب بات وقفا لمجالس العزاء بدل الثقافة: "الزيارات باتجاه الجنوب صارت سعيا دائما لقراءة لافتة عزاء، لذا أقترح أن يعمدوا الى وضع مندوب على مدخل صيدا عند الأوّلي حتى نلتقي بالجميع ونعزّيهم"، يقول باستياء، معتبرا أنّه على عكس اليوم: "كانت التنظيمات السياسية السابقة فرقا تنويرية وكانت القرى تعلم أولادها بعد الظهر وليس فقط صباحا".

“الزيارات باتجاه الجنوب صارت سعيا دائما  لقراءة لافتة عزاء، لذا أقترح أن يعمدوا الى وضع مندوب على مدخل صيدا عند الأوّلي حتى نلتقي بالجميع ونعزّيهم”.

هذا ما بدأه صاحبنا الشاعر والاديب الذي رفض ذكر اسمه، بالقول، تعبيرا عن استيائه من الاحوال التي وصلنا اليها في الجنوب. وتابع: “في الحسينية خلال إحدى المناسبات تكلّم الخطيب عن بلدة عرسال فقامت القيامة، فأدركنا ان الوطن لم يعد وطنا..”.

على الاحزاب أن ترتفع بالناس إلى قياس الوطن لا أن تنزلهم إلى قياس الطائفة والمذهب، يقول المثقف المستاء، ويضيف: “كانت التنظيمات السياسية السابقة فرقا تنويرية وكانت القرى تعلم أولادها بعد الظهر وليس فقط صباحا، وكان المعلّم يعطي وقته للاولاد. وكان الحزبيون يساهمون في كل شيء. والمثقف كان قائدا ومشروع قائد. المسألة اليوم مختلفة، فالقائمون على الواقع في الجنوب يأخذهم الواقع المرتج أمنيا بعيدا عن الناس. فهم اليوم بعيدون ولا يهتمون بالعلاقات. فالعمل قائم على التجريب، خصوصا بوجود المال. وما يجري اليوم في سوريا هو محاولة، وما جرى هو جرّ لتهشيم الانتصار الذي حققته المقاومة عام 2000”.

برأيه أنّ الموضوع الثقافي في الجنوب منذ العام 1975 مرتبط بالحركة الوطنية والبقية الباقية من المثقفين هم مجموعة كثيرة تعمل في هذا الاطار ومنها ما هو على هامش الحياة الثقافية”.

يقول متأثرا: “نحن انكسرنا بعدم قدرتنا على العمل الثقافي بوجود اسرائيل. في حين كان الآخرون مرتبطين بالثقافة. واذكر أنّه في العام 1982 كان هناك ما يسمى “معتقل انصار” وكان فيه قسم للقوى الفلسطينية والقوى الوطنية، وقسم للقوى الاسلامية التي كانت تصلها كتب ومصاحف في حين كان يُمنع عن القوى الوطنية أي شيء. وكان الصهاينة بذلك يبنون الجرثومة بطريقة متقدمة إسلاميا وفكريا”.

ويتابع: “الاسرائيليون يعملون على المدى الطويل، مثلا اليهودي يعمل في إفريقيا ليربح 5 سنتات باليوم، أما اللبناني فيريد الربح على السريع. وهذا ما جعل دولا افريقية كثيرة تعيد علاقتها مع اسرائيل بعدما كانت قد قطعتها. انهم يجنون ما زرعوا”.

ويكمل: “من هنا على الخطاب السياسي ان يتوجه الى اللبنانيين كافة. قد يختصرني العسكر كعمل مقاوم  وقد استغني عن الآخر. ولكن بالسياسة لا يمكن ان أستغني عن علاقاتي بالآخر. انا استخدم قدرتي لخدمة مالي حتى لا تكون ضدي مع الآخر. لذا لا ابرر التحول من اليسار الى الاسلام المذهبي.  وفي الوقت عينه لا يمكن ان اكون او ان اقبل ان اكون ضدّ المقاومة، فهذا يعني انني لا اعيش ولا أحس باللحظة. وهو نوع من قلع الثياب. ونوع من الكيدية السياسية ان اكون مع اليسار وانتقل الى تأييد جعجع والكتائب، وايضا هو نوع من البحث عن الخلاص الفردي، ويدل على سخافة لدى المتحول”.

ويسخر: “لبنان بلد اكثر تغييرا للثياب واكثر تناولا للهمبرغر واكثر تبديلا للافكار. والسبب ليس هنا. فهنالك من يقول قاتلت 20 عاما فماذا جنيت؟ ماذا استفدت؟ وهم احرار في ما يختارون لكن هذا ليس معناه انهم على حق”.

ويتابع: “عوامل عالمية واقليمية فرطت اليسار نحو اليمين او نحو الاسلاميين. مثال الحالة الاسلامية التي تجمع اليوم كل الجهات ولا يجمعها النقاء. والا فما مبرر كل هذه التجمعات الهائلة التي تحولت اثناء حرب تموز2006 الى بيت مري او الى قبرص”.

يقول بأسف أيضا: “حرّاس الهيكل الجنوبي هناك.. او ما يسمى بالمثقفين، كالعلامة السيد على ابراهيم، ممن كانوا يختزنون الاسلام والعروبة والوطنية، حلّ محلّهم اليوم 20 معمما يعلّمون الوضوء والطهارة. في حين أنّ عددا كبيرا من الوطنيين ما زالوا يجاهرون بأنّهم كانوا تلاميذ السيد علي ابراهيم. لقد أغرقوا العالم بالغيبيات، (من الشعر ما يتوضأ له)، قال احد المفكّرين. وكل الاضافات الغيبية لم تأت من إرثنا، وكل ما أضيف أضيف بدل عامل الانحسار والاندهاش”.

يكمل: “لم يكن التعبير الديني هو المرتكز او المانع. فتوظيف الدين لصالح فكرة ضيقة يُخسر الاتساع الشعاعي، وقوته المفتاحيّة”. ويسأل: “أين صار المثقفون الآن؟ واين صارت المؤسسات الثقافية؟. فقد ألقى السيد علي ابراهيم ندوة مكتوبة في عاشوراء من 40 صفحة ليُعلّم الناس أنّ الحقائق التاريخية لا ترتجل. وهو القادر على الارتجال، لكنّه اراد تعليم الناس أنّ الحقائق تُعدّ وتكتب”.

ويصل إلى خلاصة: “اليسار لم يتنكر لعاشوراء، بل كان يعتبرها مدرسة ولم ينكر قيمتها على الناس، ولم يتنكر للقيم الاجتماعية في القرى. كان اليسار متصالحا مع بيئته ويحاول قيادة بيئته الى مكان واحد. لكنّ الانشطار اليوم يقود الى مزيد من الانقسام. ومن معنا ليس مهما ولا يهمنا، وهذا كله يتوظف ضد الاسلام. اما المقاومة فواقع”.

ويختم المقثف الجنوبي اليساري المقاوم: “أما ما تتمظهر به في الوقائع فأمر آخر، ولا نريد ان تجرّنا التعبيرات الثقافية للمقاومة الى واقع  آخر ضيّق وطائفي. نحن لا نريد ذلك. لكنّ المتربّص بالمقاومة أيرضى ذلك؟ ولا نريد أن تكون الوقائع متمظهرة في واقع آخر”.

“من هنا لا بد من فتح الأفق على الاسئلة”.

 

السابق
الثنائي الشيعي اتفق على أسماء مرشيحه
التالي
وزير التربية يشارك باعتصام هيئة التنسيق